تحتوي المصادر المسيحية الشرقية (البيزنطية والسريانية والقبطية)، من القرن الرابع الميلادي فصاعدًا، على إشارات متناثرة عما يمكن تسميته بنمط "المبشر الأسير"؛ وهو نمط يتكرر بشكل لافت للنظر في الروايات المتصلة بظروف ظهور المسيحية في جنوب شبه الجزيرة العربية. لقد نسبت هذه الروايات تنصير عرب الجنوب إلى مبشرين أسرى، سواء من الذكور أو الإناث، وكان لها فيما يبدو صدى في الرواية العربية ذات الصلة. ويهدف هذا البحث إلى جمع شتات النصوص المتاحة حول هذا النمط، ومحاولة إعادة بنائها في سياق يمكن من خلاله استنباط الدلالات التاريخية المحيطة به. مع التركيز على حالات رئيسة، هي: المبعوث ثيوفيلوس والراهبة ثيوجنوستا، والأسقف بولس القنطوسي والقس يوحنا الرهاوي، لكن دون إغفال حالات أخرى تتوفر عنها إشارات موجزة، مثل حالة فيميون وفرومنتيوس وغيرهما. ويخلص البحث إلى صعوبة الحكم على دقة هذه الروايات وتحديد هوية الشخص الذي أدخل المسيحية إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، خصوصًا أن هناك روايات أخرى تنسب ذلك إلى أشخاص آخرين منهم التاجر أو زعيم أو كاهن سجين. وجميع هذه الروايات ذات مسحة هجيوجرافية واضحة، نُسجت في سياق حرص الكاتب على مدح نضال الأسير أو السجين أو المضطهد ضد المعارضين الوثنيين أو اليهود، والهدف الأسمى هو الانتصار للحق على الباطل وتأكيد تفوق المسيحية على الوثنية. ويبدو أن هذا الهدف اقتضى استخدام الأسرى كمبشرين في أكثر من سياق مختلف. ومن المهم أن نأخذ في الاعتبار اختلاف مؤلفي النصوص واختلاف أصولهم وخلفياتهم كسبب لاختلاف أبطال رواياتهم. إلا أن اتفاق هذه الروايات على القرن الرابع، أو أوائل القرن الخامس الميلادي، باعتباره زمن ظهور المسيحية في جنوب الجزيرة العربية، قد يوحي بأنها نسجت حول حدث تاريخي اكتنفه الغموض نتيجة حرص كل مؤلف على توظيفه لصالح بطله، ومن ثم صبغه بالمسحة الهجيوجرافية.
 
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
عبد العزيز رمضان، "نمط الأسير المبشر في الرواية المبكرة عن دخول المسيحية جنوب شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام".- دورية كان التاريخية.- السنة السابعة عشرة- العدد السادس والستون؛ ديسمبر 2024. ص 38 – 49.