أثارت التجربة الفيدرالية العراقية الكثير من الجدل والنقاش والخلاف، ظهرت على أثره إشكاليات الخلاف بين السلطات الاتحادية العراقية وسلطات إقليم كردستان، إذ مرت العلاقة بين الكرد والحكومات العراقية المتعاقبة بمنحنيات عدة منذ ظهور الدولة العراقية عام (1921)، فاتسمت بالتوتر تارة والاستقرار لصالح الكرد بتحقيق مكاسب لهم، تارة أخرى، حتى صدر قرار مجلس الأمن رقم (688) عام (1991)، الأمر الذي شكل فرصة تاريخية للكرد لإقامة كيان شبه مستقل عن نفوذ بغداد في كردستان، وقد اتسمت العلاقات بين السلطات الاتحادية العراقية وإقليم كردستان بعد (2003) بوجود خلافات عميقة تتجذر تاريخياً حول قضايا سياسية وإدارية، جوهرية ومصيرية. وقد أخذت هذه القضايا الخلافية بالتطور باتجاه أزمات متكررة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وصلت الى مواجهات عسكرية دامت عقوداً من السنين، وتركت هذه الأزمات، لهذ اليوم، بدون حلول جذرية مما أدى إلى توظيفها بين الحين والآخر لأغراض سياسية، ولعل أهم هذه المسائل الخلافية بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة الإقليم في أربيل تتمثل في قضية كركوك والمناطق المتنازعة عليها. من جانب آخر، اعتماد دستور العراق عام 2005 كان بمثابة نقطة التحول الأكثر أهمية في تاريخ إقليم كردستان على الإطلاق، إذ نص هذا الدستور على صلاحيات واسعة (نسبياً) للإقليم، وأصبح أكثر استقلالية في إطار دولة فيدرالية اتحادية، فقد أعطت المادتان (41) و(113) من الدستور السلطة القانونية اللازمة لسلطات الإقليم، وأصبح رئيس الجمهورية من القومية الكردية، وتم الاعتراف بقوات البيشمرگە كجزء من المنظومة العسكرية الاتحادية ويكون تمويلها من الموازنة الاتحادية، وعلى الرغم من أهمية هذا الدستور بالنسبة للحياة السياسية لإقليم كردستان، إلا أنه كان سبب حدوث الكثير من الإشكاليات السياسية بين السلطات الاتحادية العراقية وسلطات الإقليم لوجود بعض مواد في هذا الدستور تحمل أكثر من تأويل. وبصدد ذلك فإن هذه الدراسة تهدف إلى التعرف على حيثيات إشكالية قضية كركوك وأبعادها والجوانب القانونية والدستورية لها، من خلال التعمق في الدوافع والتداعيات الإقليمية والدولية، فضلاً عن استعراض قراءة تاريخية لهذه القضية المعقدة ونتائجها على العلاقات المتبادلة بين أربيل وبغداد.