للبحث في "الاستدلال وشروط إفادة الأدلة اليقين" أهميته في مجال الدراسات العقلية، والشرعية؛ لذا عني ببحثه المناطقة، والأصوليون، والمتكلمون: (فالمناطقة) اعتبرو دراسة قواعد الوصول إلى الدليل اليقيني، من أهم غايات هذا الفن، وخصصوا أحد قسمي المنطق: "التصديقات" لدراسة القضايا، والاستدلال، وأنواعه من حيث الصورة والمادة، ومدى يقينية كل نوع، وما هي شروط الوصول إلى اليقين فيما يمكن أن يوصِّل إليه. كما بحث علماء (أصول الفقه) الأدلة؛ لكونها الموصلة إلى الأحكام الشرعية، وصدر بها بعضهم كتبه الأصولية، كالزركشي في البحر المحيط، وقد درس (علماء الكلام)- لا سيما أصحاب الموسوعات الكلامية كالمواقف والمقاصد- الدليل؛ حيث إن النظر شرط من شروط معرفة العقائد، فالترقي من التقليد الخَلِيِّ عن الدليل واجب. ويهدف البحث إلى إبراز موقف الأشاعرة من تحديد المصطلحات المتعلقة بالاستدلال، مثل (النظر، والاستدلال، والدليل) ودراسة موقفهم من أقسام الدليل باعتبار استمداد مقدماته: من الخبر أو العقل، وبيان شروط إفادة كل قسم منهما لليقين. وتحرير القول المنسوب إلى جمهور الأشاعرة بعدم إفادة الدليل النقلي اليقين. فقد بين مفكرو الأشاعرة أن: (الدليل العقلي) هو الذي تكون سائر مقدماته عقلية لا تفتقر إلى الشرع، وأنه يفيد اليقين إذا توافرت فيه: (شروط النظر العامة) مثل: الحياة، والعقل، وعدم المنافي للنظر من النوم والغفلة، والجزم بالمطلوب، أو بنقيضه... (والشروط الخاصة بالاستدلال الصحيح) مثل: النظر في الدليل الموصل للمطلوب، وأن يكون النظر في الدليل من جهة دلالته على المطلوب،  وأن يتخلص الناظر من الآفات النفسية والمعرفية التي تحول دون الاستدلال الصحيح، كالتعصب، واتباع الهوى،  والتسرع في الحكم دون بينة، والتكبر عن الاعتراف بالخطأ...  (وأن تستوفي مادة الدليل وصورته شروط اليقين): أي تكون مقدمات الأدلة قطعية، وترتيبها صحيحًا. وبينوا أن (الدليل النقلي): هو الذي يتكون من مقدمات للشرع مدخل فيها، ويفيد هذا النوع اليقين إذا ثبت قطعًا: لفظه ومعناه، وثبت قطعًا أنهما مرادان للشارع الحكيم، وقد توافرت هذه القرائن في نصوص الشرع الشريف المثبتة لقطعيات قضايا العقيدة والشريعة على ما بينه محققو المذهب الأشعري.