أرسل الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، إلى قوم يأكلون الميتة، ويشربون الخمر، ويقطعون الرحم، ويسيئون الجوار، ويأكل القوي منهم الضعيفَ، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله وعبادته وترك ما يعبون من دونه.
وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم حيناً من الزمان على بعض الأخلاق التي اعتادوها من أمر الجاهلية، فلمنا أن تقبلت نفوسهم الإسلام وتلذذوا بحلاوة الإيمان، ودخلوا في دين الله عن قناعة ويقين بأنه الدين الحق؛ حينئذٍ جاءت الأحكام الشرعية على خلاف ما اعتادوه من أمر الجاهلية؛ فقبلوا الحق الذي جاء من الحق سبحانه على لسان البشير النذير صلى الله عليه وسلم، فامتنعوا عن أكل الميتة، وتركوا شرب الخمر التي كانوا يتباهون بها، ووصولا أرحامهم التي كانت قد قُطِّعَتْ،وأحسنوا إلى الجوار، وأشفق القوي على جاره الضعيف، فسادوا بذلك الدنيا كلها.
فلما انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، ومنها غلأى غيرها من البلدان؛ وُجدتْ عادات لأهل هذه البلاد لم يكن لها حكم في الشرع وقتئذٍ، أو ربما كان موجوداً لكنهم على خلاف العمل به؛ فجاء الأئمة المجتهدون وأفتوا بخلاف ما اعتاده الناس من الشرع،وذلك بسبب تغير الأزمنة والأماكن.
ومما يدل على ذلك ما اشتهر عن الإمام الشافعي رضي الله عنه حين نل أرض مصر الطيبة المباركة ورأى فيها من العادات ما لم يكن قد اعتاده أهل العراق وغيرهم ممن لقيهم الإمام رضي الله عنه، فاحتاج إلى أن يفتي بخلاف ما كان قد أفتى به سابقا (في بعض المسائل الاجتهادية).