الله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدىً، ولذلك كانت الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب إنما هي توضيح الطريق القويم والصراط المستقيم الذي يوصل إلى معرفته سبحانه، وعبادته على الوجه الذي يرضيه جل جلاله، وليقوم الناس بالقسط ويمسكوا بالحق؛ وحينئذٍ تكون سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ولما كانت طبيعة بني آدم الميل إلى المعصية، (ومنها الجرائم بمختلف أنواعها)؛ فقد جاءت الشريعة الإسلامية بما ينظم أمور الناس فيما يتعلق بكيفية مواجهة هذه الجرائم،مرة بالتحذير من ارتكابها، ومرة بالذم لمرتكبها، ومرة بتشريع العقوبات على تلك الجرائم.
إلا أن العقوبات على الجرائم في الشريعة الإسلامية ليست على درجة واحدة؛ بل تختلف باختلاف الجريمة وحجمها، فأعلى هذه العقوبات إزهاق النفس، ولا حد لأدناها، إذ المرجع في تقدير ذلك إلى رأي الحاكم أو القاضي.
وحتى لا يختلج في صدر أحدٍ كائناً من كان أن العقوبات في الشريعة مقصودة لذاتها؛ ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد عزمت على كتابة هذا البحث لبيان مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء في تشريع تلك العقوبات، ليدرك القارئ والباحث- من خلال هذا البحث المتواضع- أن العقوبات وإن كانت في الظاهر عذاباً إلا أنها في حقيقة الأمر رحمةَ وعدلاً وصيانةً للمجتمع من انتشار الجريمة.
وقد رأيت أنه من تمام الفائدة أن يكون البحث مقارنة بين الفقه الإسٍلامي والقانون الوضعي، (مقتصراً على ما جاء في قانون العقوبات المصري دون غيره)، وذلك مساهمة في إبراز محاسن الشريعة الإسلامية وفضائلها ومكارمها التي لن تقضي إلى يوم القيامة.
وأسأل الله تعالى أن ينفعني بهذا العمل-المتواضع- وأن يجعله في ميزان حسنات والديَّ يوم العرض عليه.