في ظل طغيان الفكر المادي المعاصر وجد من الملحدين من يؤمن بوجود خالق لهذا الكون، مع إنكاره لتدبيره الكوني والتشريعي. ومعنى إنكارهم للتدبير الكوني قولهم: إن الإله خلق الكون ووضع قوانينه الثابتة، ثم تركه يعمل بآليته الخاصة، بلا تدبير له فيه، ولا تدخّل في توزيع الأرزاق، ... وكل الحوادث في الكون هي أسباب طبيعية. أما إنكارهم للتدبير التشريعي فمعناه: أنهم ينكرون الوحي، وبعثة الرسل، ويرون: أن البشر لا يمكن أن يعرفوا الله إلا عن طريق العقل ومراقبة الطبيعة. هذا التيار الذي فرق في تصوره للإله بين الخالقية والتدبير، يطلق عليه التيار الربوبي، أو التيار الواحدي، أو الدين الطبيعي، أو التأليه الطبيعي، أو دين العقل أو أصحاب الفطرة العقلية... وقد اعتنى البحث بدراسة أحد مقومات التيار الربوبي؛ وهو موقفهم من التدبير الإلهي، ممهدا لذلك بالتعريف بالتيار الربوبي، ونشأته، والأسس الفكرية له، كما تحدث البحث عن التدبير الإلهي في الفكر الإسلامي، والتدبير الإلهي عند التيار الربوبي بين التأثر بالمسيحية وفلاسفة اليونان في عصر النهضة الأوربية، وتناول البحث  بالنقد والرد تصور التيار الربوبي للتدبير الإلهي من جانبيه الكوني والتشريعي. وقد انتهج الباحث في هذا البحث المنهج التكاملي، الذي يجمع في أركانه بين عددٍ من المناهج الجزئية، التي يُعالج كلّ واحدٍ منها ما يناسبُه من أجزاء البحث، وأهمها: المنهج الاستقرائي، والاستنباطي، ثم التحليلي، ثم النقدي مع الالتزام بضوابط البحث العلمي وأسسه قدر الإمكان على أسس المنهج العلمي السليم.