وثقت صحارى مصر على ثراها ملحمة عظيمة، بين مسيحييها المتزودين بإيمان راسخ فى القلوب، كرسوخ الجبال العوالى فى البيد والفيافى، والسلطة الرومانية الغاشمة، المؤججة بقوة بطش وسلاح فتك، لا يرقبان فى مؤمن إلًّا ولا ذمة.
تُروَى أحداثها بلسان الحال لا المقال، وتتجسد آثارها فى منشآت تنم عن فقر مدقع، مقترن بعزة نفس تأبى الحياة مع الذل، وتُقبِل على الموت بشموخ إيماني وكبرياء، وتعبر رسومها عن مراحل تتدرج من الصبر والمصابرة، إلى النصر والسؤدد الأبدي.
وإيمانًا منا بعظمة تلك الملحمة وأهميتها، جاء البحث الذى بين أيدينا موسومًا "صحراوات مصر ودورها فى حفظ وتطور فكر الأقباط خلال الفترة من القرن الأول إلى القرن السابع الميلادي- دراسة حضارية أثارية فنية.
وتدور فكرة البحث حول الضغوطات التى تعرض لها الأقباط المسيحيون، من جراء تمسكهم بعقيدتهم الدينية وانتماءاتهم الوطنية، فى مواجهة الإمبراطورية الرومانية، مما ألجأهم إلى الصحارى والعزلة بها، ليعيشوا فى أمن وإيمان وسلام، وما ترتب على ذلك من مظاهر حضارية، وبقايا أثرية وفنية، تحكى لكل لاحق أسباب وأحداث ونتائج تلك الملحمة.