من درر الأدب الأندلسي الرقيق كتاب البديع في وصف الربيع لأبي الوليد إسماعيل الإشبيلي جمع فيه الكاتب مختارات أدبية من صور الأندلسيين للربيع وجماله عمد بها إلى إبراز مواهب الأدباء الأندلسيين ومقدرتهم الفائقة فيما يخص وصف مظاهر الطبيعة التي لا يسبقهم فيها سابق ولا يلحق بهم لاحق.
ومن درر هذا الكتاب، أن الكاتب قد جاء بقصيدة ابن الاستجي أبي الحسن ابن علي يصف فيها نوواير الربيع بوصف حسن بديع، ومدح بها القاضي ابن عباد؛ فأعجب بها أبو الوليد، فعارضها في الباب نفسه أمام القاضي ابن عباد كذلك، فأعجب القاضي بقصيدة أبي الوليد؛ فأمر باستحضار صاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية والأديبين أبي جعفر بن الأبار وأبي بكر بن نصر وأمرهم بمعارضة هذه القصيدة، فعارضوها، ولما علم الوزير الكاتب أبو الأصبغ (ابن عبد العزيز) بهذه المعارضات عارضها هو الآخر بقصيدة في حضرة القاضي ابن عباد، وكان عامر بن حبيب (والد أبي الوليد) حاضرًا مجلس ابن عباد فأمره ابن عباد أن يعارضها كذلك فعارضها مرتجلًا، فلما سمع أبو الحسن علي بن أبي غالب بن حصن قصيدة عامر بن حبيب أعجبه نظمه فعارضها هو الآخر مادحًا له، فبلغت معارضات قصيدة ابن الاستجي سبع معارضات.
ومن الجميل في كل هذه المعارضات أنها من المعارضات التامة فكلها في غرض واحد، وهو المدح وعلى وزن واحد وهو بحر المجتث وقافية واحدة وروي واحد، وقد اعتمد أصحابها على التصوير بالتشبيه بصورة ملفتة، وكما هو معلوم أن المعارضة لها داع وغاية فداعيها الإعجاب والتقليد وغايتها التفوق والإبداع، وهذا ميدان بلاغي ونقدي خصب؛ فأردت أن أتناول هذا الباب من منظور بلاغي، يلقي الضوء على جمال هذا العصر بيئة وأدبا.