غالبا ما تكون الدراسات الحديثة موافقة للدراسات القديمة مع إضافات وتحسينات في بعض المصطلحات، فمصطلحات التداولية والقصدية، مصطلحات وأسماء حديثة لطرق قديمة في التفكير كانت تسمى مراعاة المقام، ولهذا جال في خاطري أن أبحث عن ذلك عند المفسرين" بيد أني وجدت البقاعي خير تطبيق لهذه الدراسة، فجاء العنوان: مراعاة المقام ومقتضى الحال عند البقاعي في كتابه نظم الدرر في تناسب الآيات والسور أنموذجاً، وتبرز مشكلة البحث: في مساهمة البقاعي  الكشف عن هذه التداولية في تفسير النص القرآني، ومدى مراعاة النص القرآني حال المخاطبين وأحوالهم من وجهة نظر البقاعي وهل خرج النص القرآني على خلاف مقتضى الظاهر عند البقاعي؟ مع بيان جهد البقاعي، وإسهاماته في مجال اللسانيات التداولية بوصفه أحدَ أبرز مفسري القرآن الكريم، والكشف عن وجوه الأعجاز القرآني في معرفة مراد النص القرآني، ومن ثم تدور فكرة البحث حول التداولية ومدى إدراك القدماء لمفهومها في شروحهم وتفسيرهم، من خلال النماذج التطبيقية في مطابقة الكلام لمقتضى الحال وصوره عند البقاعي من جهة ومخالفة الكلام لمقتضى الظاهر من جهة أخرى، قاصداً من وراء ذلك بيان قصدية النص القرآني من حيث كلماته وآياته وسوره، من خلال ما أوتي البقاعي من معرفة لغوية بعيدة عن التعقيد والفلسفة، ومن خلال معرفتي تعد هذه الدراسة جديدة في بابها من ناحية دراسة اللسانيات، بسبب أن أكثر الباحثين يدرسون مثل هذه القضايا في أبواب البلاغة من دون عرضها على اللسانيات.