إن إيمان المؤمن يتجلى في نيله درجات إيمانية متصاعدة حتى يبلغ في أعلى سلمها مرتبة تذوق حلاوة الإيمان وإدراك حقيقته، التي هي مقام الإحسان، ودون بلوغ العبد المؤمن هذه الحقيقة وتذوقه لحلاوتها، مجاهدات قلبية وفكرية وعملية كثيرة ينهض بها في هذه الحياة، يَرِّق معها قلبه، وتصفو بها نفسه، ويترقَّى معها إيمانه، حيث تنعكس هذه المجاهدات في صور مقامات ومنازل في السير إلى الله تعالى، تبدأ بمقامي المشاهدة والرجاء، وتنهي بمقامي الأنس واللذة، من وجه ومرتبة في سلوك السائر إلى الله تعالى، أو تبدأ بمقامي المراقبة والخوف، وتنتهي بمقامي الهيبة والفناء، من وجه ومرتبة أخرى في السير إلى الله تعالى. وأَوْلَى منازل السير إلى الله تعالى ومراتبها، هو أن يجمع العبد السائر إلى الله تعالى في سيره إليه ابتداءً بين مقامي المشاهدة والمراقبة، اللذين يأخذانه للجمع بين مقامي الرجاء والخوف، وبعدهما للجمع بين مقامي البسط والقبض، ومن ثم الجمع بين مقامي الأنس والهيبة، ليصل إلى الله تعالى في آخر محطات سيره إليه جامعاً بين مقامي اللذة والفناء، فيدرك في اللذة توحيد شهود نِعَمِ الله تعالى ومننه، ويدرك في الفناء توحيد شهود المُنْعِم سبحانه، فيبلغ بهما مرتبة تذوق حقيقة الإيمان.