يرى أكثرُ أهلِ البلاغةِ أنَّ مظاهرَ إعجازِ القرآنِ يمكنُ الدلالةُ عليها والتعبيرُ عنها ووضعُ اليد عليها، وهذا الرأيُ قد شاعَ، لكنْ مع ذلك يَحِقُّ لنا أنْ نراجعَه ونتحاورَ مع أصحابِه، وقد خصَّصتُ هذا البحثَ لهذا الغَرضِ، وفيه أُحاولُ أنْ أقفَ على حقيقةِ هذا الرأيِ وأَختبرَهُ. وحتى يتجلَّى الموقفُ أكثرَ، يَعْرِضُ البحثُ رأياً آخرَ في هذ الشأنِ، يرى أصحابُهُ أنَّ إعجازَ القرآنِ يُدركُ بالذائقةِ فحسب، فالإعجازُ كما يرى هؤلاء يستعْصِي على الوصفِ، ولا يمكنُ الدلالةُ عليه. وصحيح أن من يرى أن الإعجاز يفسر ويعلل هو الرأي الأشيع والأسير، لكن الرأي الآخر وإن طوته زوايا الكتب فإن عين المتأمل لا تخطئه وجاهة هذا الرأي، بل ترى أحيانا أنه يرجح لديك، لأن من يتبناه من العلماء لهم قدم راسخة في العلم، ولأن أصحاب التفسير والتعليل تراهم أحيانا يقِرُّون بالعجز عن تفسير المزية في القرآن وبيان سبب إعجازه، لذلك كان من المفيد أن نظهر هذا الموقف الثاني ونعرضه، عسى أن يكون فيه حافز ودافع لفتح نافذة جديدة ترفد دراسات إعجاز القرآن وتغنيه. ومن هنا أرى أنه من المناسب التوصية بأن ينهض بعض الباحثين بطَرْقِ أبوابٍ أخرى، لغوية كانت أو بلاغية، يلتمسون فيها مظاهر إعجاز القرآن، ولأن الجهود السابقة – كما أقر أربابها - لم تثمر الثمرة المرجوة، فمن الرجاء أن يكون في ذلك دافع لفتح نافذة جديدة، ترفد دراسات إعجاز القرآن وتغنيه.