لم يعد يخفى على أحد في هذه الآونة، ما للتحكيم من أهمية قانونية وعملية في حسم منازعات الأفراد بطريقة مرضية وناجزة، على نحو يحافظ على مصالح الجميع. فقضاء الدولة – أو القضاء الرسمي أو النظامي - لم يعد الوسيلة الفعالة لاقتضاء الحقوق، وإنما أصبح ميداناً يجد فيه المماطل متسعاً للمراوغة والتعطيل مستغلاً ما نص عليه القانون من ضمانات لأطراف الخصومة احتراماً لحقوق الدفاع، بل أصبح من مصلحة كل مماطل التجاء خصمه إلى القضاء، حيث وقر في أذهان الناس أن خير وسيلة لإضاعة حق طرحه على ساحة القضاء. لذلك يجب تكثيف الجهود والمحاولات لتطوير النظام القضائي فيما يتعلق بسرعة حسم المنازعات من أجل الوصول إلى حلم العدالة الناجزة، ويعتبر التحكيم أحد أبرز وأهم هذه المحاولات؛ لكونه يساهم في تخفيف العبء الملقى على عاتق القضاة، والتخفيف من اكتظاظ ساحات المحاكم بالمنازعات.
ومن الناحية العملية أو الفعلية، فإن طرح التحكيم كوسيلة لفض منازعات العقود التي تُبرم بين الأفراد، لا يكون أمرًا عشوائيًا؛ بل هناك رابط قانوني ووجودي لا غنى عنه، يُعرف باتفاق التحكيم. ويعتبر هذا الأخير هو الأساس القانوني الذي يقوم عليه نظام التحكيم بأكمله، فقوام هذا الاتفاق إرادة الأطراف المتحاكمة واتجاهها إلى سلوك طريق التحكيم لحسم منازعاتهم، وهذه الإرادة هي من تختار المحكمين وتحدد عددهم واختصاصهم، وتحديد الجهة التي تتولى الاشراف على العملية التحكيمية، بالإضافة إلى تحديد القواعد الموضوعية والاجرائية التي ستطبق على النزاع. وهذا الأمر يحتم علينا ضرورة التعرض لأركان انعقاد وشروط صحة اتفاق التحكيم، وعلى وجه الخصوص المسائل التي يتميز بها الاتفاق في هذا الصدد.