تعدُّ الحماية الجنائية خط الدفاع الأهم والفعال، وصمام الأمان الذي يحمي المجتمع من الجرائم التي تقع ضده ويضمن له الاستقرار والعدالة والمساواة في المجتمع؛ ولذلك فإن الموضوعات التي تخضع للحماية الجنائية تمثل قدرًا من الأهمية التي تجعلها موضوع اهتمام المشرِّع الجنائي.
ومن هذه الموضوعات سوق الأوراق المالية، إذ تتبوأ مكانة عليا وتحظى بقدر من الأهمية في الاقتصاد الوطني تجعلها من الموضوعات التي يجب أن يعيرها المشرِّع الجنائي اهتمامًا خاصًا نظرًا لمكانتها وطبيعتها الخاصة.
ونظرًا لجسامة وخطورة الجرائم التي ترتكب في نطاق سوق الأوراق المالية، فإن الحماية الجنائية هي السبيل إلى التصدي والحد من جرائم أسواق الأوراق المالية. حيث إن سوق الأوراق المالية يقوم شق كبير منه على تبادل أسهم الشركات المقيدة بها ونظرًا لما لبيانات تلك الشركات من أهميه، فتكون الحماية الجنائية لبيانات الشركات المقيدة في سوق الأوراق المالية ضرورة ملحة؛ بسبب خطورة تسريب أو استغلال بيانات داخلية جوهرية، أو عدم الالتزام بالإفصاح عن التغيرات التي تطرأ على المركز المالي لتلك الشركات.
يمكننا تعريف "جريمة استغلال معلومات جوهرية" بأنها قيام شخص أو مجموعة من الأشخاص بالتعامل على ورقة مالية بناء على معلومات جوهرية – سواء حصلوا عليها بحكم عملهم أم لا - تؤثر على سعر هذه الورقة، وذلك قبل الإفصاح عن هذه المعلومة للجمهور.
وهذا النوع من الجرائم له أهمية خاصه حيث غالبا لا يرتكبه سوى ذوى الياقات البيضاء والذين يكونون من الشخصيات المشهورة في الدولة، وترجع الحكمة وراء تجريم هذا النوع من السلوك إلى كونه يتعارض مع مبدأ العدل والمساواة بين سائر المتعاملين في سوق الأوراق المالية، فمن غير العادل السماح لمتعاملين تلك السوق بالتداول بناء على معلومات جوهرية مع عدم توافر تلك المعلومات لباقى المتعاملين، فلا يوجد في هذه الحالة تكافؤ للفرص.