يعد الأديب العربي السوري فرنسيس فتح الله نصر الله مراش أحد أكثر المنورين العرب تأثيرا في ستينات القرن التاسع عشر، حيث كرس جهده وعمره لنشر الثقافة ومحاولة التنوير والدعوة لتطبيق المدنية في صورتها التي تحقق العدالة والمساواة وتكفل الخير للجميع ، ومن ثم صاغ حلمه نحو المدنية والتقدم في صورة مدينة فاضلة، صاغها في روايته غابة الحق في تفصيل الأخلاق الفاضلة التي صدرت في عام 1865 ويصنفها البعض بأنها أول رواية عربية في العصر الحديث. وما هي في حقيقتها سوى دراسة مفصلة لأسس الدولة المدنية كما ينبغي أن تكون عليه في الواقع العربي، وليس مجرد اقرار تعديلات شكلية في النظام العثماني.
وهو ما يدفعنا للبحث في فلسفة الحكم لدى المراش، وكيف صاغها في صورة حلم .. حلم نحو دولة التمدن، أو كما عبر هو عنها مملكة التمدن أو مملكة الحرية. ويدفعنا – كذلك- لنتناول فلسفة الحكم عند فرنسيس المراش، الاسلوب الفلسفي والأدبي الذي صاغ فيه أفكاره السياسية حتى جعلها من فرط مثاليتها تتشابه مع نظم المدن الفاضلة، إلى جانب ثوبها العربي الخالص الذي أضفاه المراش على نسق هذه المدينة، إلى جانب الطابع الفلسفي للرواية، واستخدامه أسلوب والمواربة والرمزية، وأيضا التحليل الفلسفي ورصد واقع الحياة في العالم العربي آنذاك. وما تميزت به من تقديم حلول عملية لمشاكل الحكم في الدولة العثمانية، وواقع البلاد العربية.