عانى العالم العربى من الخليج إلى المحيط من الاستعمار الغربي الأوروبي والتبعية الغربية على مدار أكثر من قرن من الزمان، وذلك حينما تأخر عن ركب الثورات الصناعية المتتالية التي شهدتها البشرية، سواء الثورة الصناعية الأولى القائمة على الفحم، أو الثانية القائمة على الكهرباء، أو حتى الثالثة القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فجاءت دائمة متأخرة ولم تمتلك الريادة في أحد هذه الثورة، فظلت تابعة وقابعة، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، للقوى الصناعية الكبرى التي قادت هذه الثورات الصناعية.
ولأن هناك "لحظة تاريخية" فارقة عادت من جديد وبدأت تلوح في الأفق، قد تغير من مسار العالم العربى تماماً وتجعله في مكانة أفضل بكثير من مكانته الحالية إذا احسنت الاستفادة منه، تتمثل في امتلاك زمام المبادرة وقيادة الثورة صناعية الرابعة، من خلال تطوير صناعات تكنولوجية متقدمة وابتكار تقنيات ذكية تشكل عصب الثورة الصناعية الرابعة.
وإن تخلت الدول العربية عن انتهاز هذه اللحظة، سوف يظل الاستعمار متوطناً في العالم العربى ولكن من خلال شكل آخر، هذا الشكل أعمق بكثير من ذي قبل وأصعب على التحرر منه، لأن حينها سوف تكون تغلغلت التقنيات الذكية التي يمتلكها الغرب، ليس داخل المجتمعات العربية كما هو الحال خلال الثورات الصناعية السابقة، بل داخل الافراد أنفسهم، فيمتلك الغرب الأوروبي والشرق الآسيوي سيطرة مباشرة على الأفراد في المجتمعات العربية، أي يتحكمون في برمجة الأفراد، ليس من خلال القوة الناعمة Soft Power والاقناع والنموذج الجاذب الذي كان سائداً خلال العقود الماضية، بل يتحكمون فيهم مباشرة عبر نمط جديد من القوة الصلبة Hard Power، هذا النمط ليس قائماً على الإجبار عبر أدوات القوة المادية التقليدية، بل قائم على مبدأ "الإرادة الزائفة ".