لا يختلف اثنان على أن ما بات يُعرف بـ "تصريح بلفور Balfour Ddeclaration" مثَّل حدثًا تاريخيًا بامتيار، فالتاريخ ينبثق من الحدث التاريخي، أي الحدث ذو الأثر الممتد، ولعله لا يوجد امتداد لحدث تاريخي على مدار قرن من الزمان يضاهي هذا التصريح الذي أصدره آرثر جيمس بلفور Arthur James Balfour وزير الخارجية البريطاني (10 ديسمبر 1916- 23 أكتوبر 1919) في كتابٍ مؤرخ بالثاني من نوڤمبر 1917. ولعله كذلك لم يحظ حدث تاريخي في تاريخ المنطقة العربية حتى يومنا هذا بديمومة الاستمرارية والجدلية التاريخية كما حظي هذا التصريح، وهو الأمر الذي انعكس على ديمومة استمرارية الدراسات التاريخية حوله حتى يومنا هذا.
ولا تهدف هذه الدراسة إلى تقديم سرد تاريخي لتصريح بَلفور، أو إلى تقديم عرض نقدي لتلك الدراسات السابقة –وما أكثرها-، وإنما تهدف إلى مناقشة هذا التصريح في إطار المشروع البريطاني لإعادة تنظيم شئون المنطقة الجديدة، التي خططت لإنشائها تحت مسمى "الشرق الأوسط" خلال الفترة 1916، وهي السنة الفعلية لبدء المشروع، حتى سنة 1921 وهي السنة التي أُقر فيها بمؤتمر القاهرة. فبعد انقضاء مئة عام نجد أنفسنا أمام السؤال القديم الجديد، هل يعيد التاريخ نفسه؟، فالزمان قد انقضى، ورجاله رحلوا، لكن المكان ظل ثابتًا، والمشكلة لا تزال قائمة بل وتفاقمت تبعاتها عبر السنوات، والأطراف الدولية والإقليمية والمحلية لاتزال موجودة، وإن كانت قد تمرحلت توازناتها، وتغيرت أشكالها وتكتلاتها.