مما لاشك فيه أن ظاهرة السراب قد ألهمت الشعراء في العصر الحديث فجادت بها قرائحهم حتى شكلت ظاهرة فنية في أشعارهم تستحق الدراسة والتأمل ؛والسراب كما جاء في لسان العرب يقصد به " الذي يجري على وجه الأرض كأنه الماء ، وهو يكون نصف النهار" وقد وردت لفظة السراب في القرآن الكريم وذلك في قوله ـ تعالى ـ : (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ؛ وقد نزلت الآية في" شيبة بن ربيعة بن عبد شمس كان يترهب متلمسا للدين فلما خرج الرسول ـ صلي الله عليه وسلم كفر " وقيل أنها نزلت لتصف " أعمال الخير للكافر كصلة الرحم ونفع الجيران "
و لقد استغل الشعراء ما في هذه الظاهرة الطبيعية من خصائص وسمات في رسم صورهم الفنية و صياغة معانيهم الأدبية . وبالرغم من حضورها المكثف والفعال في العصر الحديث مقارنة بوجودها في العصور الأدبية السابقة ؛ فلم تفرد دراسة لها في العصر الحديث مع وجود دراستين لها ؛ الأولي في العصر الجاهلي تحت عنوان : السراب في الشعر الجاهلي : دراسة في تشكيل الظاهرة و تأويلها شعريا للمؤلف : خليل سالم الرفوع . وأخرى في العصر الأموي تحت عنوان : السَّراب في شعر ذي الرُّمة لوحات فريدة في الشعر العربي ، دراسة جمالية ثقافية للمؤلف د. خالد زغريت .
وبالرغم من تردد مفردة السراب كثيرا في الشعر الحديث وتنوع دلالتها فلم ينتبه أحد من الباحثين إلي دراستها ، حتى أن القصائد التي جاءت تحت عنوان مفردة ( السراب ) لم تحظ بأهمية بالغة ولا أفردت لها دراسات مستقلة . ومن هنا وجدت لزاما على عاتقي أن أبرز دور هذه المفردة في الشعر العربي الحديث وأقف على معانيها ودلالاتها ؛ محاولا الإجابة عن عدد من التساؤلات أهمها :
ـما السياقات التي جاءت مفردة السراب فيها .
ـ ماذا أضافت مفردة السراب للقصيدة إذا جاءت عنوانا للنص الأدبي .
ـ ماذا أضافت مفردة السراب للقصيدة إذا جاءت في ثنايا النص الأدبي .
ـ كيف وظف الشعراء مفردة السراب في دعم معانيهم وصورهم .