وتعود الأسباب في اختيار هذا الموضوع إلى ضرورة التعمق في دراسة هذا الأدب، من خلال الوقوف على نماذج متنوعة وبيئات مختلفة، والتعرف إلى عالم الشجن مجتمعه ومحتوياته ونظامه، كذلك محاولة دراسة بعض الآراء التي تميز بين سجن وآخر، أو تفضل سجانا على سجان، كما تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن بعض الأحداث والأسرار والحقائق الإجرامية التي يحاول السجان المعتدي طمسها سواء في سجن الاحتلال أو في السجون العربية. وتكمن أهمية هذه الدراسة في توضيح الدور الذي يؤديه هذا الأدب، فهو أدب ذو رسالة تربوية وتعبوية، ولا بد من لفت الانتباه إليه والإفادة مما جاء فيه من تجارب وقصص، خاصة بعد اتساع أفقه، وكثرة المؤلفات فيه، كما لا بد من الوفاء لأولئك الذين يقفون وقفة عن صامدين خلف جدران الزنازين في السجن، تلك الفئة التي استمرت بالنضال رغم القيود، فوجدت في القلم والكلمة سلاحها الوحيد چه به عصا الجلاد والمحتل الغاشم والنظام المستبد.
يرجع اهتمام الرواية بالواقع السياسي، إلى الارتباط الوطيد الناشئ بين الروائي والمجتمع، والمعروف أن تاريخ الرواية العربية هو تاريخ التعبير عن المجتمع العربي بمختلف موضوعاته، واهتماماته، ولذلك تعد الرواية إحدى وسائل التعبير الخلاقة عن المجتمع سواء اتخذت منحى التصريح المباشر، أو منحى التلميح الذي يمكن فهمه عن طريق التأويل. والرواية العربية تمكنت من احتواء التغيرات السياسية التي هزت وجدان المجتمع العربي في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وذلك بفضل جهود روائيين كرسوا إبداعهم لخدمة الإنسان العربي، حين فضحوا آليات كثير من الأنظمة الحاكمة المستبدة، وأدانوا ابتعادها عن الجماهير.
وقد أبدى الروائيون العرب اهتماماً جلياً بالواقع السياسي عبر مدار التحولات التي طرأت على المجتمع العربي، مثل: عبد الرحمن منيف، وجبرا إبراهيم جبرا, وحيدر حيدر, وصنع الله إبراهيم, وغيرهم، مما أوجد مدونة نصية من الأعمال الروائية، أطلق عليها الرواية السياسية. تجلت تمثيلات هذا العنصر/السياسي في النصوص الروائية وفق مستويات مميزة، لأن الروائي في المجتمع ذي النظام القمعي "يدخل في مغامرة غير مأمونة العواقب السلطة مع السياسية الحاكمة التي يعارضها، أو يسبح تيار الفكر السائد, فقد تجر عليه كتاباته مخاطر لا تعد ولا تحصى" ولهذا تمّ- في كثير من النصوص الروائية- تجنب تحديد المكان، والإيحاء في تجسيد المواقف، ووجهات النظر، والاعتماد بشكل جلي على شخصية المثقف الثوري المتجرد عن المصلحة الذاتية، وهذا تمظهر بشكل بين في رواية شرق المتوسط لعبد الرحمن منيف, موضوع اشتغالنا في هذه الدراسة النقدية.