لطالما كانت البابوية تفخر بتاريخها وبنظمها كمؤسسة دينية على رأسها البابا؛ فهو خليفة السيد المسيح ووريث بطرس الرسول وصاحب الموروث الدينى للسمو البابوى الذى تناقله عقل ووجدان الشعوب المسيحية الكاثوليكية عبر الأجيال؛ فكان البابا على قمة الهرم الدينى يعلو بسلطته ولا يعلو عليه أحد، وما بين "النظرية البطرسية" و"نظرية السيفين" تمتع بسلطة مطلقة لأنه الذى يجمع فى يديه السيفين سيف الأرواح وسيف الأبدان، ولذلك انفرد البابا بسلطة مادية ومعنوية مطلقة فى الإصلاح والتقويم لأى خلل يظهر فى المؤسسة الدينية الكاثوليكية، لكن تلك السلطة المطلقة تعرضت للعزل والإقالة ولم يشفع للبابا أنه السلطة الأعلى التى تُحاسِب ولا تُحاسَب، فخليفة السيد المسيح لا يقدر على مساءلته إلا المسيح ذاته، وإن تعرض البابوات للإقالة أو العزل يفترض وجود قوة أعلى من البابا لديها القدرة على إزاحته من المشهد سياسيا أو دينياً، وبالتالى تتجلى لنا عدة تساؤلات أهمها تحديد مفهوم إقالة البابوات ومدى شرعيته؟ ومن لديه القدرة على إقالة البابوات، وبمقتضى أى سلطة حدث ذلك هلى هى سلطة دينية أم علمانية ؟ وما هى الأسباب التى أدت لإقالة بعض البابوات؟ وهل يمكن حصرها فى ظواهر معينة تمكننا من تحديد أنواع الإقالة؟ كل تلك التساؤلات وغيرها كانت دافعاً لاختيار الموضوع عن إقالة البابوات فى العصور الوسطى؛ لتبيان كيف ومتى تم استغلال ظاهرة إقالة البابوات وهو ما سيتم رصده فى الصفحات التالية.