منذ البدء اهتم الإنسان بالعدالة، كمحاولة منه لفهم طبيعتها وماهيتها، فبحث عن طرق تطبيقها وكيفية تجسيدها في واقعه المعاش. حتى أنه أمكنه القول أن صفحات التاريخ تسرد أن كل مجتمع بشري تشكل أفكاره ومقارباته الخاصة عن العدل والظلم، وما يمكن أن تكونه العدالة، حتى لو لم يُسم الأمر بمصطلح العدالة ذاته حرفياً في بعض الحالات. فعبر مختلف النصوص والمخطوطات القديمة، سواء كانت ذات طبيعة دينية، سياسية أو فلسفية، تجلت العدالة كمقولة محورية في مختلف المقاربات الفكرية والقيمية، وهو الأمر الذي جعل منها مفهوماً مبجلاً، محاطاً بهالة من التوهج والجاذبية، تصبغ تمثلاته متاهات المخيال الإنساني. وهذا ما أدى إلي تبوء العدالة مكاناً مركزياً ومحورياً في مختلف السرديات الفلسفية، التي تعتبر ذاتها تفكيراً في التفكير الإنساني.
إن العدالة كفكرة أساسية وجوهرية في أي نظام قيمي كان سياسياً، أخلاقياً، دينياً أو فلسفياً، يمكن تمثلها كمفهوم أو كقيمة أو كمعيار أخلاقي، تظهر كفكرة محورية في التفكير الفلسفي منذ نشأته، وفيه تعتبر مقولة رئيسية من مقولات وإشكاليات الفلسفة السياسية والأخلاقية بعامة. فبما أنها قيمة أساسية في أي منظومة أخلاقية، فإن العدالة تصبح وفق هذا التصور ضرورية الحضور في حال ما تعلق الأمر بتشرع وتسويغ أي منظومة قيمية او تشريعية. ذلك إن جماعة البشر لا تطمئن ولا تنصاع إلا لما تراه عادلاً. فلا يمكن فعلياً تصور منظومات قيمية أو سرديات سياسية، اجتماعية، أخلاقية تنافي بوصلتها إتجاه العدالة. فتظهر العدالة وفق هذا المعني كبوصلة لكل هذه المنظومات الفكرية بعامة والفلسفية بخاصة، والتي تتجلي فيها كعنصر محدد، يحدد المشروعية التطبيقية لأي سردية قيمية تريد أن تحوز مشروعية ومقبولة في العالم الإجتماعي الواقعي.