الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى في مجده وتقدَّس وفي خلقِه تفرَّد وأبدَع، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
فإن من أعظم سنن الله تعالى في الكون ما يحدث في الاجتماع البشري من التفاعل بين الحضارات وتبادل الخبرات والثقافات وهو ما يعرف في المصطلح الحديث بالفاعلية الحضارية، وهو قانون إلهي مودع في الكون جدير بالدراسة المتأنية والعميقة للوقوف على أهم عوامل النهوض وأسباب السقوط، والإفادة المثلى من تجارب الأمم السابقة. ولا يخفى على أحد ما للسنة النبوية من أهمية بالغة في التشريع الإسلامي فهي المصدر الثاني الذي تستمد منه الأحكام الشرعية ومن سماتها أنْ فصَّلتْ ما أجملَه القرآنُ الكريمُ، وقيَّدَتْ ما أطلَقَه، وخصَّصتْ ما عمَّمَه، ووضَّحتْ ما أبهمَه, فلا بُدَّ من النظر فيها مع القرآن الكريم لاستخراج واستنباط ما فيه صلاح الفرد والمجتمع.
ولا شك أنَّ في السنة النبوية جانبًا عظيمًا يهتم بالاعتبار بأحوال السابقين والكشف عن شرائعهم وأحكامهم، وبيان ما يجوز منها في شريعتنا وما لا يجوز، وما يتوافق مع طبيعة الزمان والمكان والحال ومالا يتوافق. وفي تجارب الأمم السابقة وقصص من قبلنا من الأمم عظة، وعبرة، وفوائد جمّة حيث يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى﴾