إن من أخص طرق المناظرة وأقواها: الإلزام؛ وذلك لأنه يهتم بإبطال مذهب الخصم بناء على أصوله، فيفسد مذهبه، ويظهر ضعفه، وتناقض أصوله، فينقطع عن المناظرة، ويُبَكَّت بالحجة تبكيتًا.
وقد حمل أهل العلم على عاتقهم الدفاع عن الإسلام، والتصدي لأهل الأهواء؛ أداءً لِحَقِّ الإسلام عليهم، وقد كان الأئمة الأربعة (أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد) من أخص أهل العلم الذين دافعوا عن الإسلام ضد منتقديه، وقد ظهر هذا جليًّا فيما رُوي من مناظراتهم العقدية لأهل الإلحاد والبدع.
ويهدف هذا البحث إلى دراسة الإلزام العَقَديِّ، في ضوء مناظرات الأئمة الأربعة العَقَديِّة.
وتبرز أهمية دراسة الإلزام العَقَدي في أنه يعد مُعِينًا للمناظرين والمدافعين عن الإسلام ضد شبهات المخالفين؛ فإن الإلزام ناصر للحق ببيانه، وإبراز قوة حجته، وداحض للباطل بنقض شُبهات أصحابه، وهدم أصول مذاهبهم، وإبطالها.
وتبرز أهمية دراسة الإلزام العَقَدي -كذلك- في أنه يميز بين المُنَاظِر من أجل الحق، والمًنَاظِر عِنادًا وكِبرًا، ويُعَلِّم الباحث والمناظر إنصاف الخصم، وعدم الحَيْف عليه، بإبطال مذهبه بناء على أصله من غير تحميل قوله ما لا يحتمله.