الحمد لله وحده، وبعد؛ فإن الفقيه في الجدل الفقهي إما أن يحسن الجواب عن اعتراضات خصمه بما يزيل الإشكال، ويدفع الادعاء، وإما أن يأتي جوابه ضعيفًا لا يكافئ قوة اعتراض خصمه، وإما أن يضيق عليه المسلك؛ فيعجز عن الجواب.
فإن عجز عن الجواب لجأ -أحيانًا- إلى نفي معقولية الحكم، وتشبث بالقول بتعبديته، ظانًا أنه آوى إلى ركن شديد، ومتحصنًا بما لا يستطيع خصمه جداله فيه، وقد حاولت من خلال هذا البحث الكشف عن مسألة ضيق المسلك في الجدل الفقهي، مبينًا أثره في نفي بعض الفقهاء معقولية بعض الأحكام، خروجًا من تضييق خصومهم المسالك عليهم؛ فكان هذا البحث: (ضيق المسلك في الجدل الفقهي وأثره في نفي معقولية الأحكام).
وترجع أهمية هذا البحث إلى أنه يلفت النظر إلى مكانة علم الجدل الفقهي وأثره في أحكام الفروع الفقهية، من خلال بيان أثر الجدل الفقهي في نفي معقولية بعض الأحكام الفقهية، والقول بتعبديتها.
وكذلك تبرز أهمية هذا البحث في أنه يعد لافتًا انتباه الباحثين إلى إعادة النظر في الأحكام التي اخْتُلِف في أنها تعبدية أو معللة، لكون القول بنفي المعقولية قد يكون الدافع من ورائه ضيق المسلك في الجدل الفقهي، لا إخفاء الشارع العلةَ عن نظر الفقهاء لحكمة لم يطلعنا عليها.
وقد توصل البحث إلى عدة نتائج، منها:
- ليس في أحكام الشريعة ما يخالف العقل أو القياس الصحيح، لكن منها ما عُلِمت علته، ومنها ما لم تعلم، وليس المقصود من قول العلماء: "غير معقول المعنى" ، و"تعبدي" ، و"خلاف القياس" أنه لا حكمة فيه، أو أنه يخالف العقل، أو أنه لا علة فيه، بل المقصود غير معقول المعنى عند الفقيه، وقد يعقله غيره، وخلاف القياس الذي انعقد في نفس الفقيه.
- ليس الدافع دائمًا وراء القول بنفي معقولية الأحكام هو ضيق المسلك في الجدل الفقهي، بل هناك أحكام كثيرة تعبدنا الله -جل جلاله- بها، من غير أن يبين لنا علتها، ولا الحكمة منها، والشأن فيها هو الامتثال والطاعة وفعلها على الوجه الذي أراد ربنا -جل جلاله-.
- لا يُسَلَّم دائما لقول الفقيه بتعبدية الحكم ونفي معقوليته، فإن الفقيه -أحيانًا- إذا ضاق عليه المسلك في الجدل الفقهي، وانسد عليه الباب؛ لجأ إلى القول بنفي معقولية الحكم.