يهدف هذا البحث إلى دراسة الأنساق الثقافية المُضْمَرَة في مُعَلَّقةِ الحارثِ بن حِلِّزة اليشكري؛ تلك الأنساق التي تكشف اللثام عن المسكوت عنه في النص الشعري، والتي تتخفى وراء الرؤية البلاغية وجماليات التراكيب؛ وذلك لكون هذه المعلقة تحوي في ثناياها مجموعة متشابكة من الأبعاد الجدلية والأنساق المضمرة التي تتطلب تأويلا ثقافيا يكشف العلاقة بين الذات والواقع الاجتماعي والسياسي والتاريخي في ضوء البنية الثقافية التي تتناول المخزون الثقافي المضمر وراء البنية اللغوية.
وقد احتوت هذه المعلّقة على خمسة أنساق ثقافية مضمرة متعددة الدلالات؛ وهي بالترتيب: نسق الذات المقنَّعة، ونسق الصراع والبقاء، ونسق الفحولة والقوة، ونسق التعيير والإذلال، ونسق الترغيب والترهيب. وتوصل البحث إلى مجموعة من النتائج؛ أهمها: كَشْف موقف الشاعر من قضية العلاقات الإنسانية، عبر نسق الذات المقنعة، والمتمثل في تصوره للحياة أو الوجود/الوفاء بالعهد، والموت أو الفناء/الإخلاف والتعامي.
وجاء نسق الصراع والبقاء نتيجةً لتفكيك الأنساق المتشكلة في فجوات النص، وكاشفًا الصراع القائم بين نسقٍ قائمٍ ثابتٍ يتمثل في الإخلاف والغدر، ونسق متحرك متحوّل يتمثل في سَعْي الشاعر، عبر وسيلة نسقية/ناقته، إلى تصحيح مسار فِكر الملك عمرو بن هند عما وصله من وشاية وأباطيل. ولقد كشف مسكوت هذا النص عن وعي الشاعر في خلخلة النسق القائم/الثابت، لبناء نسق مغاير جديد/متحوّل، قائم على دحض تلك الأباطيل المزعومة التي وشى بها العدو التغلبي إلى الملك.
وقد اعتمد هذا البحث على النقد الثقافي منهجا له؛ بوصفه نشاطا فكريا مرتبطا بحقول الثقافة المتنوعة، بغية الوصول إلى مجموعة القيم الكامنة وراء النصوص الشعرية ودراستها في سياقاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية والتاريخية.