الله عزوجل خلق الانسان ليكون سببا فى اعمار الكون، و كان الشغل الشاغل لإنسان الحضارات الاولى هو توفير الزاد و حماية الذات و الانجاب لاعمار الكون ببنيه، بنى البشر، وهذا ما يطلق عليه عمارة وعمران البدن وعندما ارتقت البشرية سلم الحضارة و ظهرت العمارة وتطور بناء المعابد و المدن
وتجلى الفنان ككائن محب للحياة بطبعه و محب للجمال فأودع فنه سر الخلود، فاخذ يرتقىبمظاهر الأشياء ويخصها بقيم إبداعية جمالية، من خلال لغة عالمية للتفاهم والترابط الانسانى فقدم وسائله الفنية لربط الانسان بالقيم المجتمعية الاصيلة لتجديد الحياة واضافة المبتكر اليها والارتقاء بالمدركات البصرية وما يرتبط بها من عمليات جمالية، وجاءت النتاجات الفنية مرآة صادقة لتجارب الشعوب وامالها واحلامها عن فنون الحضارات.
ومن المنطقي فى العمارة التقليدية ان نقول ان الميادين سبقت التماثيل التى تزينها،فمن الطبيعى ان يخضع النحاتون لشروط الميادين وقياساتها عند تصميم التماثيل التى ستقام بها حتى يتحقق ما نسميه التآلف التناسبى بين التمثال والبيئة المحيطة به، ومن الطبيعى ان يتفق النحاتون ضمناً بالالتزام بالاسلوب الواقعى، اللهم الا فى بعض الاستثناءات، ذلك لان الميادين تمثل صفحات من التاريخ، ومن المهم تقريب ملامح الشخصية وقوتها ودورها العظيم الذى لعبته فى تاريخ البلاد، حتى تتحقق الجماهيرية للتماثيل وتتكون العلاقة التاريخية بينها وبين جمهور المارة ومرتادو تلك الميادين او الحدائق، ووجود علاقة بين نسبة التمثال وزاوية الرؤية ليتم مشاهدته بشكل جيد من ناحية وكذلك نسبة التمثال والمبانى المحيطة به ليتحقق وجوده ككتلة تشغل حيزها المتناسب مع حجمها فى الفراغ المحيط من ناحية اخرى، وتضفى المنحوتات على المدن وجمالاً خاصاً وتجعلها أكثر دفئًا ودلالة،فليس من الممكن تخيل العاصمة "تبليسى"بدون تلك الأعمال الفنية التى تزينها.
وهناك العديد من النحاتين الجورجيين الموهوبين الذين انجزوا تلك الاعمال وحددوا اماكنها ببراعة، وتجدر الاشارة بادئ ذى بدء أن المنحوتات فى معظمها مناسبة جدًا لمدينة مثل تبليسى التى جادت بالعديد من الفنانين والادباء والشعراء والمغنين و الموسيقيين.
وتعتبر الآثار النحتية في تبليسي أكثر من مجرد تماثيل وأكثر من مجرد أعمال فنية،وعلى الفور يساور المتذوق لها الشعور بان تلك التماثيل و الانصاب التذكارية هم سكان المدينة الحقيقيون،حيث يأتي الناس لزيارتهم، من جميع أنحاء العالم ويسافرون إليهم ، كما يطالعها الكثيرون على الإنترنيت.
فمدينة تبليسي هي عاصمة دولة (جورجيا) منذ حوالي خمسة عشر قرنا من الزمان، وهي كبرى المدن السياحية الجورجية، تعداد اً للسكان حيث يقترب من المليون ونصف نسمة، وتبلغ مساحتها 726 كم مربع، وتقع المدينة جنوب شرق جورجيا، على ضفاف نهر (كورا)، وهى مدينة قديمة تأسست في عهد الملك الجورجي (فاختانج جورجسالي)، حيث تم تشييدها في القرن الخامس الميلادي، في موقع متميز يعد مفترق الطرق التجارية بين آسيا الصغرى وأوروبا,
وفى عام 735م دخلها العرب في عهد مروان بن محمد، أثناء توليه حكم أذربيجان وأرمينيا، كما كانت مدينة تبليسي مأهولة بالسكان قبل الميلاد بحوالي أربعة آلاف عام، لكنها ذكرت لأول مرة فى المرويات التاريخية التي ترجع للقرن الرابع الميلادي، وشهدت مدينة تبليسي ازدهارا ونموا واضحا منذ نشأتها، ويرجع الفضل في ذلك إلى الموقع المتميز الذي تحتله، حيث تعد حلقة الوصل بين طرق التجارة التي تصل شرقي جورجيا بجنوبي شرق إيران وتركيا وأرمينيا وسوريا، وقد أصبحت العاصمة لمنطقة شرق جورجيا أيام حكم الملك (داتشا فاختانغ) بدل مدينة "متسخيتا" التي كانت عاصمة المنطقة القديمة.
و تتمتع المعالم الاثرية فى تبليسى بتنوع كبير فى الاثار الفنية والانصاب التذكارية وتماثيل الميادين، مما يهبها ثراءاً ملحوظاً، و سوف يتم التعرض فىيما لأكثر هذه الأعمال الفنية شهرة واثارة للاهتمام على المستوى الفنى.