كشف الإنسان على مرِّ الحضارات السابقة عن جوانب من حياته، وذلك  من خلال الرسوم التي شكّلها على جدران الكهوف، وسفوح الجبال، وعلى الأواني الحجرية والفخارية، والرسوم الجدارية أيضاً. وقد أثبت الفنان في الجزيرة العربية قديماً جدارته في التعبير عن ما يحيط به في بيئته.وقد كشفت القطع الفنية التي عُرضت في معرض (روائع آثار المملكة عبر العصور)^([1])عن الإرث الحضاري الذي تتميز به شبه الجزيرة العربية. تُعدُّالرسوم الجداريةمن أغنى الوسائل في التعبير الفني؛ لأنهاتعطي مجالاً واسعاً للفنان في استعمال العناصر المختلفة (الألفي،2009).ونرى ذلك في الحضارات السابقة كالمصرية القديمة، وبلاد النهرين(العراق حالياً)، والإغريق، والرومان، وغيرها، فقد برعوا في تزيين معابدهم وقصورهم وقبورهم برسوم تعكس واقع حياتهم اليومية ومعتقداتهم الدينية. وبالنظر إلى اكتشافات (قرية الفاو) نجد مجموعة من النقوش الكتابية التي أمكن من خلالها التعرف على العلاقات القائمة بين الفاو وبعض ممالك الجزيرة العربية القديمة، كالأنباط، واللحيانيين، ومدينة غزة بفلسطين (الأنصاري وطيران،2008). ويبدو أن الموقع الإستراتيجي للفاو على طريق التجارة ومن خلال القوافل التجارية، قد أسهم في نقل معتقدات وأساليب فنية مختلفة من المناطق المجاورة. ويشير بيرين (1986) أنه من الواضح تأثر الفن في الجزيرة العربية بفنون الحضارات الأخرى، وإن لم يخلُ من الملامح المحلية، سواء في الشمال أو الجنوب، فهناك دلائل على تأثير الفن الرافدي والشامي والفارسي والقبرصي والمصري القديم واليوناني والهندي(عن السنان، 2009). ومن خلال دراسة معادن الفاو يشير السنان (2009) إلى عددٍ من المدارس الفنية في مجال النّحت بالجزيرة العربية؛ ففي الشرق ظهرت مدرسة محلية بتأثيرات رافدية، وفارسية، وهيلنستية، وأحياناً هندية.في حين ظهرت التأثيرات الشامية، والمصرية، والإغريقية، والملامح العربية في الشمال الغربي. أما في الوسط والجنوب، كقرية الفاو، فظهرت أكثر من مدرسة ذات سمات محلية، وتحمل بصمات واضحة للفن الإغريقي أوالهيلنستي أوالروماني. ومن أهم ماتميّزت به اكتشافات موقع الفاوالرسوم الجدارية،ونجد تميّزها من حيث طريقة تنفيذ الرسوم، وتنوع موضوعاتها، والألوان المستخدمة في تنفيذها(الحديثي، 2008). كما أنها تعكس اهتمام الفنان العربي القديم في شبه الجزيرة العربية بتسجيل حياته اليومية على لوحات فنية.وتتناول هذه الدراسة الرسوم الجدارية للفاو بمعرض روائع آثار المملكة عبر العصور، حيث تمثل مجموعة الدراسة أربع لوحات جدارية غير مكتملة، تم الكشف عنها في المنطقة السكنية للفاو، وتُعدُّ من أبرز المعثورات في المجموعة المكتشفة؛ وذلك لقيمتها الفنية، وماتحويه من عناصر تشكيلية ولونية يستلزم فهم وظيفتها ودلالتها، التي تُعدُّ أمراً مهمّاً في الكشف عن دلالات الرسوم لهذه اللوحات. ونظراً لأهمية هذا الجانب؛ جاءت هذه الدراسة للتعرف على الدلالات الحضارية والفنية في رسوم جداريات الفاو بمعرض روائع آثار المملكة عبر العصور. ([1]) أحد أهم المعارض السعودية العالمية، الذي كانت أولى انطلاقاته عام 2010م من متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية (باريس)، وقد مثّل المعرض التراث الحضاري للمملكة في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا الأسيوية؛ حيث يُعدُّ فرصة مهمّة لاطّلاع العالم على ما تزخر به المملكة من بُعد حضاري وإرث ثقافي. (غاوي، 2017).