تركز هذه الدراسة بشكل أساسي على رائعة ابن زيدون (النونية) باعتبارها النص المفارق. وجاء اختيار هذا النص لما تحتله هذه القصيدة من مكانة مرموقة ومعروفة من بين إبداع ابن زيدون، ولكونها تعد أصدق مثال على المفارقة الكليّة الكبرى التي تتخلّل أبياتها وسياقاتها الدلالية؛ حيث تطوّف بنا في أجواء المفارقات المختلفة من لفظية، وموقفية، ودراميّة، ورومانسيّة، وتصويرية، وتناصيّة.

والمفارقة أسلوب فني يتعلق بالتعبير الأدبي، يعبر من خلاله الأديب المبدع عن فكرتين متعارضتين في وقت واحد، وهذا يعني أن دراسة المفارقة هي في الأساس دراسة للشعرية التي تهتم باللغة باعتبارها وسيلة لإنتاج الدلالة وتحقيق أدبية النص. ومن ثمّ استخدمت الدراسة المنهج الأسلوبي الحديث في النقد الأدبي لدراسة جماليات المفارقة في نونية ابن زيدون.

وعندما يتابع القارئ مختلف الدراسات والأبحاث التي تتناول الحصيلة الأدبية لابن زيدون، فإنه يجد ذخيرة نقدية وافرة. وبرغم ذلك، لا يظفر المرء بدراسات تتعلق بتوظيفه لتقنيّة المفارقة التي تعتبر في الواقع حجر الزاوية في إبداعه. كما جاء اختيار ابن زيدون على وجه الخصوص نظرًا لقلة الدراسات المتعلقة بالظواهر الداخليّة في الأدب الأندلسي.