تعد مدينة فاس إحدى الحواضر المغربية المهمة التي عرفت نهضة علمية مشهودة عبر تاريخها، لاسيما في ميدان الدراسات الفلكية. ولا ريب فإن ذلك لم يتأت إلا في ضوء نهضة العلوم العقلية بوجه عام ؛وهو ما يعد دلالة قاطعة على وصول حضارة مدينة فاس إلى أوج ازدهارها، حيث برزت نتائج وابتكارات علمية؛ فقد دقق فلكيو فاس تحركات الكواكب، والتقاويمالمعتمدة على الأزياج، وقاسوا عروض البلدان، ونجحوا في تخطيط الآلات الفلكية من صفائح الأرباع، والإسطرلابات،والمزاول والرخَامَات والمنجانات، وكلها من أنواع الآلات التي استخدمت لقياسالوقت، كما ترك فلكيو فاس كثيرا من المؤلفات الفلكية التي كان لها أثرها الكبير في الغرب الإسلامي على نحو عام وهو ما شكل الأهمية الأولى لهذه الدراسة.          أما الأهمية الثانية لهذه الدراسة فتكمن في علم الفلك ومكانه في خارطة العلوم العربية العقلية التجريبية، فضلا عن دوره في الربط بين العديد من تلك العلوم في آن؛ مما ترتب عليه نهضة تلك العلوم على الجملة، لاسيما وقد اعتمدت تلك العلوم على القياس والتجريب وفق منهاج علمي دقيق؛ لذا تناولت هذه الدراسة "إسهامات علماء فاس في الدراسات الفلكية خلال عصري الموحدين وبني مرين" كنموذج للحواضر المغربية التي شهدت نهضة علمية على مدار تاريخها لاسيما فترة الدراسة التي تحولت فيها إلى مقر لحكم المرينيين، الذين أولوا عناية كبيرة بالعلوم العقلية بوجه عام وعلم الفلك على نحو خاص هم وأسلافهم الموحدين عبر استقطاب علمائه؛ ومن ثم رامت تلك الدراسة بيان الظرفية الثقافية لبروز الدراسات الفلكية بمدينة فاس، ودوافع الاهتمام بتلك الدراسات، وحصر العلماء المتخصصين في علم الفلك وفروعه، وبيان جهودهم العلمية النظرية والتطبيقية بمدينة فاس خلال عصري الموحدين وبني مرين