لا يخفى على ذي عينين أنَّ موضوعنا محلَّ الدراسة له أهميَّةٌ كبيرةٌ في الأوساط القانونيَّة، وأنَّ أهميَّته تكمنُ في حماية الدولة بشكلٍ عامٍّ وحماية المجمتع بشكلٍ خاصٍّ، حيث إنَّ الآونة الأخيرة شهدت في مختلف الدول المتقدِّمة والنامية بكفاءة الإدارة الماليَّة العامَّة بصفةٍ خاصَّة، وإدارة الإنفاق العام على كافَّة المستويات النظريَّة العلميَّة المعنيَّة بالإنفاق العام والعدالة الاجتماعيَّة، ويرجع هذا الاتجاهُ إلى أنَّه على الرغم من أنَّ ندرة الموارد الماليَّة تعدُّ قيدًا على الجهود التنمويَّة للحكومة فإنَّ الخبرة العلميَّة قد أفصحت عن أنَّ أسلوب إدارة الإنفاق العام يلعب هو الآخر دورًا لا تقلُّ أهميَّته في التأثير على كفاءة وفاعليَّة الإنفاق العام، وبمعنًى آخر: فإنَّ نجاح السياسة الماليَّة والاقتصاديَّة يجب أن يُقاسَ بالقدر الذي تُسهم فيه النفقاتُ العامَّةُ في زيادة التشغيل وامتصاص فُرَصِ العمل وتحقيق العدالة الاجتماعيَّة بالمجتمع، وترى الغالبيَّةُ العُظمى من المبحوثين أنَّ العدالة الاجتماعيَّة لا تتحقَّق في المجتمع، وما زالت هناك أشواطٌ ينبغي القيامُ بها لكفالة الاعتراف والحماية الحقيقيَّة للحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة قانونًا وممارسةً، فإنَّ طبيعة الحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة بوصفها حقوقًا قانونيَّةً تُرَتِّبُ التزاماتٍ قانونيَّةً على الدول يُساءُ فهمُها كثيرًا، حيث تُمثِّل مجموعةُ الحاجات العامَّة التي يتعيَّن على الدولة إشباعُها محورَ النشاط المالي والاقتصادي للدولة، ويتمثَّلُ هذا النشاطُ في قيام الدولة بالنفقات العامَّة، ولعلَّ القيام بالنفقات العامَّة يتطلَّب حصولَ الدولة - بلا شكٍّ - على إيراداتٍ عامَّةٍ بالقدر الذي يكفي لتغطية هذه النفقات أيضًا، فإنَّ مقدار ما تتوقَّعه السُّلطةُ التنفيذيَّةُ من نفقاتٍ وإيراداتٍ لفترةٍ زمنيَّةٍ عادةً تكون سنةً ينبغي أن يُدرج ضمن برنامجٍ محدَّدٍ تتضمَّنه وثيقةٌ اصْطُلح على تسميتها بالميزانيَّة أو الموازنة العامَّة.