ملخص
مرت القصة القصيرة بمراحل مختلفة؛ فثمة قصص قصيرة عاش أصحابها في أبراج عاجية وانعزلوا عن الواقع؛ فأنتجوا لنا نوعين من هذه القصص؛ نوعًا ذا طابع برناسي، يشيد بالعواطف الذاتية للأديب، على حساب الوظيفة القيمية والاجتماعية للفن الأدبي، ونوعًا حمل أفكارًا ذهنية تجريدية، تتعلق بتأمل الكون، وبحث ما وراء الطبيعة، وفلسفة الموجودات، دون أن يكون لهذا ظل في الواقع، وهناك – بخلاف هذا تمامًا – قصص قصيرة انغمس كتّابها في الواقع حتى الثمالة، وعكسوه في أعمالهم بطريقة آلية مباشرة.
ولمحمد المخزنجي مجموعة قصصية بعنوان "أوتار الماء" لا تعبر تعبيرًا خالصًا عن واحد من الاتجاهات القصصية السابقة؛ ولكنه تأثر فيها بالاتجاه التحليلي النفسي، الذي لا يُسخِّر أصحابُه الأدب للتعبير عن الذات أو لخدمة قضايا ذات صبغة محلية محدودة، وإنما يراعون فيه البعد الإنساني، ويعنون بإبراز العواطف والميول والأهواء التي تعتلج في النفس البشرية عامة.
أثار محمد المخزنجي في مجموعته القصصية "أوتار الماء" كثيرًا من القضايا الحياتية الهامة؛ مثل قضية: الاغتراب، والفقر، والحرب وآثارها الوخيمة، والعلاقات الزوجية، والمشاكل الأسرية، وهو في طرحه لها لا يقصرها على بيئته، وإنما يركز على البعد الإنساني والجانب الروحي المفقود؛ لذا يظهر جل أبطال القصص في هذه المجموعة في صورة البطل المأساوي المثير للشفقة؛ لعدم قدرته على التصدي والمقاومة، أو لكثرة العقبات الكئود التي تعترضه وتحول دون تحقيق آماله.
ولأن طرائق الأداء ووسائل التعبير من أهم ما يُتوسَل به لإماطة اللثام عن خصوصية الأديب وتفرده، فقد ألفينا المخزنجي في "أوتار الماء" يسعى لتأثيل شعرية هذه المجموعة من خلال ثنائية الحضور والغياب، والتي تجلت بشكل بارز من خلال ذات المؤلف وعلاقتها بالنص، ثم في علاقة الأشخاص بعنصر المكان.