يهتم هذا البحث بطرح مقاربة نقدية حول جماليات الاغتراب في ديوان "النوارس تحكي غربتها" للشاعر محمد أبو الفضل بدران ^([1])، فقد تمثل، ظاهرة الاغتراب في القصيدة العربية الحديثة ركنا رئيسا، يعتمد عليه الشاعر في صياغة النص الشعري من جهة والتعبير عن آلامه الذاتية، وأحزانه الواقعية من جهة أخرى. وعلاقته المباشرة وغير المباشرة بالأحداث والقضايا التي تقع في وطنه أو المجتمع الذي يعيش فيه، ومن ثم تتشكل صور الاغتراب من خلال زاويتين رئيستين هما: الاغتراب الحقيقي الذي يقوم به الشاعر عبر رحلته المكانية منتقلا بين البلاد والعباد، والثانية: الاغتراب المجازي هو الذي يرتبط بالخيال النفسي لدى الشاعر، فيحاول التعبير عن صوره من خلال آلامه الممتزجة بالخيال. فقد اغترب الشاعر محمد أبو الفضل بدران عن وطنه سنوات عدة، بحثا عن المعرفة والدراسة في أوروبا، وهو ما يمثل  الغربة / الاغتراب الحقيقي، مستدعيا ذكرياته في وطنه، محاولا التعايش مع الأشياء والعادات والتقاليد الجديدة عليه في بلاد الغربة، من خلال رحلة الشاعر وتأملاته وأفكاره وحواره الدائم مع ذاته، وقد تجلى الاغتراب بشكل فاعل في بنية القصيدة الشعرية عند بدران من خلال أشكال متعددة للاغتراب، فنلاحظ في قصيدته على سبيل المثال  حضور( الاغتراب المكاني، الذاتي، الخارجي، الداخلي ، والاغتراب الاجتماعي، الثقافي، السياسي، والاغتراب اللغوي، ... وغيرها من صور وأشكال الاغتراب، مما يمثل تقنية شعرية اتكأت عليها قصيدته، عبر الاغتراب الداخلي( أن يغترب الشاعر داخل نفسه) أو الاغتراب الخارجي من خلال الغربة والسفر والعيش خارج الوطن مكانيا وزمانيا، فيرصد حركة الزمن والمكان ورؤيته الفلسفية للأشياء، وكأن الاغتراب نفسه أصبح رمزا للحياة المجازية العابرة في حياة كل إنسان.   ([1]) محمد أبو الفضل بدران، شاعر وناقد وأكاديمي، وُلد الشاعر الدكتور محمد أبو الفضل بدران (1960) قنا  من أهم أعماله الشعرية ( ساليدا، معلقة الخروج، النوارس تحكي غربتها ، ديوان بدران) وله عدد من المؤلفات الهامة مثل ( أدبيات الكرامة الصوفية ) ،(قضايا النقد والبلاغة في تراث أبي العلاء المعري ) وغيرها وعدة قصائد بالعربية والألمانية نُشرت بالصحف والمجلات العربية والألمانية.   يعد الشاعر الدكتور محمد أبو الفضل بدران واحدا من الشعراء المصريين الذين يحفرون بقوة في مساحات القصيدة العربية الحديثة، فقد صارت قصائده في جل أعماله الشعرية ذات شحونات تفاعلية ممتدة، ارتكزت على تقنيات فنية متنوعة، محاولا التجديد في بنية القصيدة الشعرية، وموضوعاتها، وموسيقاها، وصورها الشعرية.  حيث تكون رحلة الشاعر غنية من خلال ارتحاله وانتقالاته المختلفة من مكان إلى آخر، ومن مجتمع شرقي إلى مجتمعات أخرى غربية أكثر غرابة وتجريبا، فتبوح نصوصه الشعرية بتلك الرحلة، راصدة تحولاتها المعرفية، وصدمتها النفسية والروحية، في ظل ثقافات متعددة ومتناقضة في الوقت نفسه.