تُعد مهنة التدريس من أوائل المهن التي عرفتها البشرية على مر تاريخها، فهي تضرب بجذورها منذ القدم من حيث الأصل والممارسة-غير أنها مُتجددة في أدواتها وأساليبها المتطورة من عصر إلى أخر- فمنذ أن وجد الإنسان على سطح الأرض وهو يُمارس مهنة التدريس، فقد مارسها في أبسط صورها وهو يقطن في الكهوف والوديان وكانت حينئذ تتسم بالبساطة في أسلوبها ومع مرور الزمان وكثرة البشرية وتعدد احتياجاتها شهدت مهنة التدريس تطورا واضحا في فترات مُتلاحقة، وقرون مُتتالية، وهذا التطور جاء  كرد طبيعي لتطور الفكر الإنساني، فكلما تطور الفكر لدي الإنسان صحبه تطور في شتى المهن التي يمتهنها، ومنها مهنة التدريس والتي صار لها حضور قوي وأهمية ورسالة كبرى عمَا كانت عليها في العصور السالفة. وتعتبر مهنة التدريس من أشرف المهن قاطبة التي يقوم بها الإنسان لأنها السبيل الرئيسي إلى تحصيل العلم وتلقينه، فهي المهنة التي تأخذ على عاتقها مهمة تبليغ ونشر العلم والثقافة في شتى أرجاء المجتمعات المُختلفة، ولذا فمردود هذه المهنة ونتائجها لا يعود على فرد بعينه بل يتعداه لكافة أفراد المجتمع.         وإذا كان التفكير الفلسفي في أبسط معانيه هو عبارة عن النظرة الكلية لحقائق الأشياء من خلال النظر العقلي المُجرد، وعليه فإن من أهم سمات هذا التفكير بيان جملة الحقائق الكبرى التي يتطلع العقل الإنساني إلى معرفتها ثم يقوم هذا التفكير بدوره من خلال رواده وأنصاره بتدريس هذه الحقائق لمن دونهم من أفراد مُجتمعاتهم.   من أجل هذا نالت مهنة التدريس اهتمام وعناية الفكر الفلسفي الإنساني عبر عصوره المُختلفة، ولقد امتد نطاق البحث فيها إلى معظم مراحله. ولم يكن التفكير الفلسفي الإسلامي، وهو يُمثل واحدا من أهم مراحل سلسلة الفكر الفلسفي الإنساني بمنأى عن هذا الاهتمام بمهنة التدريس، فلقد شغلت هذه المهنة أذهان أنصار هذا التفكير من فلاسفة ومُتكلمين ومُتصوفة، فافردوا لها أبوابً خاصة في مؤلفاتهم ونالت كثيرا من طاولة مناقشاتهم، وهذه هي إشكالية هذا البحث.