مع انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 برزت قوة الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي رأت أنه يهدد حلفائها في أوروبا، ويسعى لضم الأراضي وما عليها لتدور في فلكه ساعيا في نشر فكره الشيوعي خارج حدوده؛ ورأت السياسة الأمريكية ضرورة قيامها بدورها في حماية حلفائها في أوروبا عسكريا، والحيلولة دون تسرب الفكر الشيوعي من خلال تأسيس مجموعة من التحالفات لتحجيم الزحف الشيوعي سياسيا وعسكريا وفكريا. وشكلت منطقة الشرق الأوسط الحلقة الأضعف في سلسلة تلك التحالفات، فالمنطقة كانت تموج بتغيرات سياسية واجتماعية أدت إلى إزاحة النخب الحاكمة وظهور نخب أخرى طموحة لها رؤيتها وأهدافها.     
أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
خُطط الدول العظمى - ولا سيما الولايات المتحدة - صنفان :أولهما: خطط واضحة الأهداف والمعالم والأركان بل وقد يمكن نشرها كما في الولايات المتحدة سواء تم النشر في فترة معاصرة للمخطط الأمريكي أو في فترة لاحقة عليه، وذلك من خلال مراكز صنع القرار السياسي وهذا النهج اشتكى منه كثيرا السياسيون وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، وذلك الصنف من المخططات وإن كان مهما لكن نشره قد لا يشكل خطورة بالغة على استراتيجية الولايات المتحدة خاصة إذا كانت الولايات المتحدة تسيطر على أدوات الفعل السياسي والعسكري في تلك البلدان. وثانيهما: وهى مخططات قد تكون واضحة الأهداف، ولكنها ليست واضحة المعالم والأركان، ولذا فنحن نتلمَسُها من الوثائق الأمريكية بالغة السرية، ونقوم بنسج خيوطها خيطا خيطا وفك أسرارها عقدة تلو الأخرى حتى يتسنى لنا تبيان معالمها وأركانها التي قد لا يتم نشرها على الإطلاق، بل وقد لا يتم التصريح بوجودها إطلاقا لما يكتنف ذلك من خطورة على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في حينه.
شكلت حقيقة الدور الذي لعبته الولايات المتحدة مع مصر خلال فترة الدراسة بالغموض كما لو كان صندوقا أسودا، لكن الباحث آثر أن يفتحه، مفردا نقاطا بحثية توضح موقف الإدارة الأمريكية بشكل واضح من خلق أزمة مع مصر تمهيدا لاستخدام القوة المسلحة ضد مصر كما خططت له الولايات المتحدة، خاصة في وجود رأي ثابت لدى الكثير بأن الولايات المتحدة كانت السبب الرئيس في إخراج قوات العدوان الثلاثي من مصر، على خلفية الأحداث السياسية التي مرت بها المنطقة.