كانت بداية قيام دولة المماليك فى مصر على أسس جليلة منبعثة من إيمان عميق بالدين؛ وذلك رغبة فى تكوين دولة فرسان يكونوا حماة للدولة الاسلامية, والدين الإسلامى, وهو ما ظهر جليا فى انتصاراتهم على أعدائهم فى الكثير من المعارك الحربية الحاسمة والفاصلة فى تاريخ العالم الإسلامى الأمر الذى ترتب عليه تثبيت وتوطيد دعائم وأركان الدولة الناشئة^([1]). ولما كان حرص السلاطين والأمراء المماليك على رعاية العلم مبدأه رغبة هؤلاء في الوصول إلى كرسى الحكم من خلال التودد للشعب باستمالة فقهائه وعلمائه، لذلك قاموا بإنفاق المال الكثير لتشييد العمائر المختلفة خاصة الدينية ^([2]). فكانت المساجد أول أنواع هذه العمائر التي اهتم السلاطين والأمراء المماليك بتشييدها، وذلك سيرا على نهج أسلافهم الأيوبيين(567-648ه/1171- 1250م) فى اقتلاع بقايا المذهب الشيعى من مصر^([3]), بالإضافة إلى رغبة الكثير من سلاطين المماليك وأمرائهم في فعل الخير والتماس الأجر في المقاصد والأفعال^([4])، خاصة وأن المساجد  كانت فى ذلك  الوقت تعد أكبر المعاهد التعليمية فى الحضارة الاسلامية^([5]) فهى المركز الرئيس لنشر الثقافة العربية الاسلامية ^([6]), كما كانت المساجد قبل تأسيس الزوايا والمدارس تقوم باستقبال العامة والمصلين فى حلقات دراسية تعقد بداخلها أو فى بعض الغرف الملحقة بها حيث تعقد حلقات الذكر وتنظم المناظرات العلمية والحوارات الفقهية والمطارحات الأدبية واللغوية , ودروس الوعظ والارشاد والإفتاء^([7]) مما كان له أثره البعيد فى تقدم العلوم والآداب ^([8]) .ولم تمنع فكرة انشاء المدارس وانتشارها من أن يبق المسجد محل تعليم, بل إنه ارتفع طبقة فصار للتلعليم المتوسط أو طبقتين فصار للتعليم العالى^([9]) ومن هنا كان المسجد بقدر ما تسمح به ظروفه وشيوخه ومقدرتهم بمنزلة الحافظ لضمير الجماعة والقيم على شئون الشريعة وأمورها^([10]) هذا وقد أكثر سلاطين المماليك وأمرائهم من إنشاء المساجد في محاولة منهم لتقوية رباط الدين الذي يربطهم بالشعب المصري حتى يغضوا الطرف عن الحديث في أصولهم وأنسابهم ومدى شرعية حكمهم من عدمه، ولا يذكر لهم إلا أنهم مسلمون مخلصون حريصون على إقامة شعائر الإسلام وتقوية دعائمه^([11])، فكان المسجد على هذا النحو ساحة للعبادة ورحاباً للدراسة، مما جعله يسهم إلى حد بعيد في تشكيل ثقافة العصر الدينية والعلمية.