يتناول البحث معضلة أسبقية انتساب فن المسرح لبلاد الإغريق على حساب مصر القديمة. فإن ازدهار المسرح والدراما في بلاد اليونان لا يعني أن البداية الأولى للمسرح کانت بداية اغريقية، فقد وجد المسرح في بعض الحضارات القديمة التي سبقت الحضارة اليونانية القديمة. وان کان قد اتخذ شکلاً مغايراً للمسرح کما عرفة الإغريق ليس من المعقول ان تکون تلک الأعمال المسرحية العظيمة التي عرفها الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد هي البداية الأولى لهذا اللون من الفن. أو أنه لم تسبقها مراحل أخرى. ولکن العقل والمنطق والقراءات الفنية للأثار تستبعد بشکل عام ان تکون الإنسانية التي حققت الإنجازات العلمية والفنية المذهلة في مصر القديمة قد عجزت عن اکتشاف الدراما والمسرح وأنها عاشت بدون مسرح الى ان جاء الإغريق فحققوا ما أخفقت فيه مصر القديمة في تحقيقه. ان لفن المسرح بوجه عام تصورات أخرى عديدة تعبر بشکل خاص عن فکر وعقيدة الثقافات والشعوب القديمة وخصوصاً في مصر القديمة، وعليه، فإنه يجب أخذ هذه الأشکال والتصورات في الاعتبار، إذا نحن أردنا الإحاطة بفکرة المسرح وتاريخه وفلسفته ومقوماته والدور الدي يلعبه في حياة الفرد والمجتمع، وعلى ذلک فإن أي محاولة لإرجاع المسرح والدراما الى الإغريق دون غيرهم، والتمسک بفکرة الأصل الإغريقي للمسرح، وإنکار وجود المسرح في حضارة مصر القديمة والمجتمعات الأخرى السابقة على الإغريق إنما تصدر کلها عن نظرة ضيقة لا تخلو من التحيز لکل ما هو غربي. فإن الانحياز الکامل الى فکرة الأصل الإغريقي للدراما والمسرح هو في أخر الأمر، لقدرة الإنسان على الترفيه عن نفسه، وذلک على أساس أن المسرح هو أداة للترفيه بقدر ما هو وسيلة للتعبير.