إن النساء شقائق الرجال، وليست المرأة عدَّوا للرجل؛ فهي الأم والأخت والزوجة والبنت، ولا يقل دور المرأة في المجتمع بحالٍ عن دور الرجل. لكن الفاحص في تاريخ العنف منذ أقدم العصور يلحظ أن المرأة غالبا ما كان يُنظر لها على أنها المخلوق الضعيف، قليل الحيلة، المغلوب على أمره، والذي دائما ما يقع عليه العنف من الرجل (زوجا كان أو أبا أو إبنا). وربما ما عمَّق تلك الفكرة لدينا جميعا ما يعود إلى طبيعة المرأة الجسدية من جانب، وفطرتها التي جُبلت عليها من جانبٍ آخر؛ كونها تميل إلى السكينة والهدوء والحفاظ على الأسرة وكيانها.
لكننا في هذه الدراسة نحاول أن نظهر الجانب الآخر من العملة، أو الوجه الآخر لطبيعة المرأة، في حالات غضبها وثورتها وردود أفعالها في المواقف الحياتية المختلفة. وتمدنا شكاوى الأفراد والتماساتهم ضد النساء في العصرين اليوناني والروماني بمادة علمية – وإن كانت في مجملها قليلة العدد - لكنها تحمل في فحواها ما يحوي تنوعًا كبيرًا في أشكال عنف المرأة ضد الآخرين في المجتمع آنذاك؛ وهو ما يشير من ناحية أخرى إلى دلالات عديدة، يمكن تفسيرها والخروج منها بنتائج ذات قيمة.
وتقتصر الدراسة –إلى حدٍّ كبير- على تناول حالات العنف المادي (الظاهر) للمرأة ضد الآخرين في المجتمع آنذاك دون العنف المعنوي، كما أنها تقتصر على سرد الحالات الواردة في الوثائق البردية فقط دون المصادر الأدبية، والتي تحوي هي الأخرى حالات كثيرة لا تتطرق هذه الدراسة لها.