تعددت وتنوعت العوامل التي أسهمت بشکل مباشر في وفرة الثروة الحيوانية في کل من مصر والشام في عصر دولة المماليک, وقد انقسمت هذه العوامل إلى إيجابية وأخرى سلبية, فمن العوامل الإيجابية غنائم الحروب التي خاضتها الدولة ضد أعدائها, وعوائد مصادرات الأمراء والأعيان والعلماء وکبار الموظفين, واقتناء خاصة المجتمع الکثير من المواشي, وکذلک حصائل الصيد, وسفارات الدول المرتبطة بدولة المماليک بعلاقات سياسية وعسکرية وتجارية, وهدايا وتقادم الأمراء والعلماء, وحرض الحکومة إسقاط الضرائب من مربي الماشية, ومن العوامل السلبية هبوب الرياح العاصفة, والسيول والأمطار الغزيرة والفيضانات, وسقوط البَرَد والثلوج, وأيضاً قلة الأعلاف وغلوها, وحدوث الأوبئة والأمراض, والحرائق, والحروب وغارات الأعداء على الدولة.ومما لا شک فيه أن تلک الأعداد الکبيرة التي حصلتها الدولة من الأغنام والمواشي, قد أثرت بالإيجاب على مهنة الجزارة, فقد توفرت الحيوانات اللازمة لعملية الذبح, وأثرت بالتالي على الحياة الاقتصادية للدولة والمجتمع, فقد أمنت الدولة بکثرة الحيوانات العمل المستمر لمهنة طائفة کبيرة من المجتمع وهي الجزارة؛ للعمل في تجهيز الحيوانات, وفي ذبحها, وفي سلخها, في نقلها, وفي عمل المساعدين للجزارين, الذين يمارسون مهنة تجهيز وبيع الأسقاط والرؤوس, کما سدت جانباً مهماً له علاقة بتوفير الأمن الداخلي وهو منع ثورات المماليک, اللذين دأبوا عليها في حالات تأخر مرتب اللحم عنهم أو تقليله, وبالنسبة للمجتمع فقد أمنت الدولة لکافة طوائف المجتمع اللحوم بأسعار مرضية للجميع, فهي سلعة في غاية الأهمية والضرورة.