الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: فإن مفهوم الملكية الفكرية – وفقا للفكر الغربي - وما يتعلق به من حقوق المؤلفين والمبدعين مفهوم مستحدث، ظهر إبان ازدهار الطباعة ورواج تجارة الكتب على يد دور النشر التي عملت على حماية مكتسباتها وثرواتها المادية باستصدار القوانين والتشريعات لحماية حقوق الملكية الفكرية، ويرجع بعض الباحثين بداية التاريخ التشريعي لحماية حق المؤلف إلى القرن الثامن عشر، حيث برزت حقوق التأليف، وذلك على أثر ازدياد ظاهرة تقليد الكتب وطباعتها سرا وانتشارها في بعض دول أوروبا خلال هذه الفترة، إلا أن بعض فقهاء القانون يرجع بداية التاريخ التشريعي لحق المؤلف إلى الثورة الفرنسية التي أصدرت أول قانون خاص بحماية حق المؤلف عام 1791م، ثم أبرمت بعد ذلك الاتفاقيات الأوروبية والدولية لحماية حق المؤلف مثل اتفاقية برن 1886م لحماية المصنفات الأدبية والفنية والتي تعد مصدرا أساسيا لكل تشريعات ححماية حق المؤلف اللاحقة عليها. ولذلك فإن حق الملكية الفكرية بالمفهوم المعاصر لم يكن له وجود في العصور الماضية، ولا يتأتى وجوده بهذا المفهوم السائد اليوم خارج نطاق الحضارة الغربية، حيث أن معظم قوانينها وتشريعاتها تنبثق من الرؤيا الرأسمالية المعاصرة في إطار الإعلان العالمي لحقوق الانسان خاصة المادة السابعة المتعلقة بميثاق حقوق المؤلف. ولما كان أمر الملكية الفكرية وحقوقها على النحو الذي سبق بيانه، فلا بد من التعامل معها على أنها مسألة مستحدثة، لا من حيث واقعها وموضعها، وإنما من حيث دلالتها في الاستعمالات السياسية والقانونية والفكرية السائدة في الوقت الراهن، ثم لا بد أن ندرك أن الدلالات المعاصرة للملكية الفكرية بكافة فروعها ومجالاتها إنما هي من إفرازات الحضارة الغربية وقيمها المادية، ولم يكن للملكية الفكرية وحقوقها وسبل حمايتها بالاستعمالات الرائجة اليوم وجود في الحضارات القديمة، كما لم يكن لها وجود في بلاد الإسلام أو لدى فقهاء المسلمين، بل كان وجودها مرتبطا بعهد الثورات الأوروبية الحديثة منذ القرن الثامن عشر بدءً بالثورة الفرنسية، وانتهاءً بالاتفاقيات الدولية والتي أبرمت في هذا الشأن خلال المائتي سنة الماضية.