يُعنى هذا البحث بالرصد الفني لمرثية حافظ إبراهيم للإمام محمد عبده، بحثًا عن الروابط الخفية التي تصل العمل الفني بصاحبه، وترد النغمة الشجية إلى مصدرها في أوتار المعزف، فقد شب حريق الحزن في قلب حافظ، وامتد وتطاول في كل أركانه إثر رحيل صديقه الإمام محمد عبده، فكانت الترجمة الشعرية لهذا الخطب الفاجع تهامسًا لأشجانه ونواحًا لآهاته، وثورة تطفح بها أوجاعه الكاوية، خاصةً أن الإمام محمد عبده في حياة حافظ والكثرة الكاثرة ممن نهلوا من فيض عطائه كان بمثابة العائل، والدرع الذي يدفع عنهم سهام الزمان، يطبب جروحهم، ويبلسم أوجاعهم، إضافةً إلى موقعه الفريد على الخارطة الفكرية والفقهية والمجتمعية في عصره .
باشر البحث المدونة الشعرية هذه بالتحليل والنقد عبر محاور تستدعي عناصر التشكيل الفني في القصيدة ممزوجة بعالم الشاعر، وما يَرِفُّ عليها من جروح، وما يسكن فيها من قلق ورهبة وفزع وكرب صادر عن نفس الشاعر التي خاصمتها السكينة والراحة، مما جعل القصيدة ترتد إلى منزع واحد من الشعور الفَزِع والإحساس الجريح، ومن ثم تأتي المطارحة التحليلية والنقدية متجوهرةً في المقومات الفنية للقصيدة من حيث الأفكار والمعاني، واللغة والأسلوب، والصورة الشعرية، انتهاءً بالتشكيلات الموسيقية والإيقاعية، تلمسًا لطاقات الشاعر، واستكشافًا لمنابع دموعه ومستودع آهاته، ووقوفًا على مناطق الجذب الإبداعي بما لاءم طابعه، ونقلته موهبته، وجسدته أدواته، ونهضت به بواعث فنه .