يحتل كتاب "تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس وذكر وقائع التكرور وعظائم الأمور وتفريق أنساب العبيد من الأحرار"، المنسوب لمحمود كعت التنبكتي (المتوفى عام 1002هـ/1593م) قيمة تاريخية كبرى وأهمية بالغة لدى كل المهمتين بتاريخ ممالك بلاد السودان الغربي خلال العصر الإسلامي. ومما يعطي لهذا الكتاب أهمية كبرى أن مؤلفيه كانوا معاصرين لكثير من الأحداث التي دونوها، كما إنه يسرد تاريخ الملوك والممالك الإسلامية السودانية غانة، ومالي وصُنغي، التي نشأت وتطورت وازدهرت عبر فترة زمنية طويلة تمتد من القرن الأول حتى نهاية القرن العاشر للهجرة.
ويرجع اختيار مملكة غانة كنموذج لهذه الدراسة لعدة اعتبارات؛ منها ندرة ما كُتب حول تاريخ هذه المملكة في المصادر الإسلامية مشرقية ومغربية، واعتماد أغلب ما ورد عنها على الروايات الشفهية التي حوت الكثير من المبالغات، هذا فضلًا عن أنه باستثناء ما أورده كل من البكري (المتوفى عام 487هـ/1094م) في القرن الخامس للهجرة، والإدريسي (المتوفى عام560هـ/1164م) في القرن السادس للهجرة، فإن كل المعلومات التي أوردتها المصادر الإسلامية على اختلاف أنواعها، قد اقتصرت على وصف غانة بأنها مصدر للذهب الوفير الذي "ينبت في غانة كما ينبت الجزر" بحسب وصف بعض المصادر. وأخيرًا فإنه رغم البعد الزماني الطويل بين انتهاء النفوذ السياسي لمملكة غانة في القرن السابع للهجرة، وتأليف تاريخ الفتاش خلال القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة، فإن هذا المصدر يعد أقدم المصادر التاريخية السودانية، ومن ثم فإنه يقربنا من وجهة نظر السودانيين أنفسهم في ماضيهم وكيفية تصورهم لتاريخهم، وإن كانت رؤية الفتاش مقتضبة جدًا حول تاريخ مملكتي غانة ومالي، مقابل وجود كم هائل من المعلومات الواردة بالكتاب والتي تغطي الفترة من منتصف القرن 9-11هـ.