Subjects
-Tags
-Abstract
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
فإن الله سبحانه وتعالى اختص هذه الأمة بخير رسول هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وخير كتاب هو القرآن الكريم، وذلك منة منه سبحانه وتعالى وفضل، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].
كما منَّ الله تعالى أن علم الإنسان مالم يكن يعلم، وكان من أثر ذلك أن فضَّلَ العلماءَ ورفعهم درجات في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11].
وذلك التفضيل لما بذلوه من جهد في تحصيل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، لذلك جُعلوا ورثة الأنبياء.
ومن العلماء الذين لهم مكانة كبيرة أولئكم الفقهاء المجتهدون المستفرغون للجهد في درك وتحصيل الأحكام الشرعية، لكل ما يستجد من نوازل وقضايا فقهية.
وصار من غايتهم وهو يبحثون عن ذلك مبدأ "تنزيل الأحكام على ما ألفه العباد"، قال أبو سعيد بن لب كبير فقهاء غرناطة في عصره -وهو القرن الثامن-: "إن ما جرى عليه عمل الناس وتقادم في عرفهم وعاداتهم ينبغي أن يلتمس لهم مخرج شرعي على ما أمكن من وفاق أو خلاف (أي بين العلماء) إذ لا يلزم ارتباط العمل بمذهب معين أو بمشهور من قول قائل".
وحكى المواق عن شيخه ابن سراج: أنه إذا جرت عادة الناس بشيء، ولم يكن متَّفَقًا على تحريمه، فليتركهم المرء وما هم عليه، وليفعل في نفسه ما هو الصواب عنده".
وعلى ذلك بنى الإمام القرافي قاعدته في وجوب مراعاة التجدد الذي يطرأ على الأعراف، واختلاف الأقاليم، حيث يقول: «مهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط فأسقطه».
ومما لا شك فيه أن تلك الأعراف وما ألفه الناس واعتادوه له أثر كبير في المعاملات المالية الجارية بين الناس على مر العصور والدهور.
تلك المعاملات التي تبنى وتقوم على أساس التراضي بين أطرافها؛ عملًا بقول الله تعالى: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾ [النساء: 29] والرضا أمر خفي لا يطلع عليه، فأنيط الحكم بسبب ظاهر وهو الصيغة، وما يقوم مقامها.
وتدور موضوعات أبحاث هذا العدد من مجلة دار الإفتاء المصرية حول ما ذكرنا من أهمية فتح الآفاق لشرعة الإسلام بتنوع مذاهبها وطرائقها لكي تحقق المقصود المغلب في المعاملات مع مصادفة ما ألفه العباد في تنزيل الأحكام على الوقائع والمستجدات، ولا شك أن ذلك كله سيصب في نهاية الأمر في تعزيز ومباركة وتأييد الجهود التي تبذلها دار الإفتاء المصرية في مسيرة تجديد الخطاب الديني، والأبحاث المنشورة في العدد السابع والخمسين من مجلة دار الإفتاء المصرية ثلاثة، وهي على النحو الآتي:
أولًا: التطور الحضاري وأثره في التحول الفقهي (حكم التماثيل نموذجًا) دراسة فقهية تطبيقية مقارنة"، والذي تناول قضية التطور الحضاري وأثره في التحول الفقهي، وذلك من خلال نموذج التماثيل، وقد كان للقواعد الفقهية أثر كبير في ذلك، ومن هذه القواعد: "قاعدة لا ينكر تغيُّر الاجتهاد بتغيُّر الزمان والمكان والحال"، و"قاعدة سد الذرائع"، و"قاعدة ما حُرِّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة"، و"قاعدة الثابت والمتغير من الإحكام"، الأمر الذي يدل على أن الفقه الإسلامي يعالج كل القضايا في كل الأزمان معالجة تؤدي إلى استقرار أحوال البلاد والعباد.
ثانيًا: رهن المنقول في الفقه الإسلامي "دراسة فقهية مقارنة"، والذي تناول مسألة دقيقة ضمن مباحث الرهن، وهي رهن المنقولات، ولا شك أن مستجدات الحضارة وأدواتها واتساع عالم المنقولات فيها يحوج كثيرًا إلى مناقشة مبحث من هذا النوع يوفي بجميع الصور والتوقعات لحالات الرهن المتنوعة.
ثالثًا: قاعدةُ «ظُهورِ الثقةِ وانخرامِها» وأثرُها في بابِ الأخبارِ عند الأصوليِّين، وهو بحث اهتم بالكشف عن قاعدة لم تأخذ حظها من الدرس والتحليل، رغم أهميتها في الحكم على الأخبار، وقد أثمرت الدراسة طائفة من فروع باب الأخبار تتخرَّجُ على الأصل المذكور، وأبرزت وفرةَ النصوص الأصولية الدالة على اعتماد الأصوليين لها، مما عزز في نهاية الأمر من مصداقية القاعدة والتوافق الحاصل بين المذاق الأصولي والمشرب الحديثي حولها.
كما يتميز هذا العدد ولأول مرة بإضافة ثلاث فتاوى من الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية، ليكون هذا العدد جامعًا بين النظرية والتطبيق، ودار الإفتاء المصرية تسعى من وراء ذلك أن يقف القارئ على كيفية التفعيل الفقهي في الإفتاء، وأنه -أي الإفتاء- صنعة لا يجيدها إلا أربابها، وهذه الفتاوى هي:
1-أحكام العقود الفورية مؤجلة التنفيذ لظرف طارئ بعد إبرامها وقبل تنفيذها.
2-أحكام عدة المطلقة التي استؤصل رحمها.
3-أحكام استخراج منظمات القلب بعد وفاة المريض، وفي عمرها الافتراضي عدة سنوات.
وختامًا: أرجو من الله عز وجل أن نكون قدمنا مادة فقهية إفتائية مفيدة، يستفيد منها القارئ وتستفيد منها المجتمعات، إنه سبحانه على كل شيء قدير وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين،،،
أ. د/ شوقي علَّام
مفتي جمهورية مصر العربية
DOI
10.21608/dftaa.2024.361698
Authors
First Name
أ. د/ شوقي إبراهيم
MiddleName
-Affiliation
مفتي جمهورية مصر العربية
Email
-City
-Orcid
-Link
https://dftaa.journals.ekb.eg/article_361698.html
Detail API
https://dftaa.journals.ekb.eg/service?article_code=361698
Type
أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول
Publication Title
مجلة دار الإفتاء المصرية
Publication Link
https://dftaa.journals.ekb.eg/