يسعى هذا البحث إلى التطرق نظريًا للعلاقات بين العواطف والصحافة وفكرة الموضوعية، وذلك بهدف استكشاف العلاقة التشابكية بين المعايير الموضوعية والعاطفية داخل الممارسات الصحفية في البيئة الرقمية، كمحاولة لطرح مناقشة شاملة لفهم وإدراك الصحفيين لقيمة العاطفة في العمل الصحفي، وكيفية التكيف معها، بالإضافة إلى تقديم نظرة ثاقبة حول أساليب إدارتها وتوظيفها واستراتيجيات التعامل معها، والتأثيرات الناتجة عنها، مع رصد وتحليل لتصورات ومواقف الصحفيين تجاهها، ومدى تأثير هذه المواقف في تشكيل وجهات نظرهم حول إدارة العواطف في سياق العمل الصحفي، وكذلك أحكامهم على القيمة الإخبارية للعواطف، وتصوراتهم للعلاقات بين العواطف والموضوعية، وقراراتهم بشأن ما إذا كانت العواطف تدخل أم لا في عملية إنتاج الأخبار، وكيف يتم تمثيلها في قصصهم الإخبارية؟.
ولتحقيق ذلك، أخذ البحث مسارًا استكشافيًا، وتم استخدام أسلوب المقابلات المتعمقة الفردية "شبه المنظمة والتسلسلية" مع مجموعة من الصحفيين بلغ عددهم (20) صحفيا ممن يعملون في مختلف المنصات الصحفية الرقمية والبيئات المؤسسية المختلفة، بالإضافة إلى بعض المنظمات الرسمية وغير الرسمية التي تتعلق بممارسة الصحافة عربياً ودولياً.
وقد أسفرت المقابلات المتعمقة مع عينة الدراسة عن رؤية شاملة للتعامل مع العاطفة في الممارسة الصحفية الرقمية، حيث كشفت النتائج أن الصحفيين يتبنون استراتيجيات متنوعة لضبط وإدارة العواطف، تتراوح بين استراتيجية المواجهة ونوذج الصحافة البناءة وآلية اليقظة الذهنية، مع التركيز على ضرورة التوازن بين العاطفة والموضوعية في الممارسات الصحفية، كما وضع الصحفيون مجموعة من الاستراتيجيات المبتكرة لاحتواء التأثيرات العاطفية وترشيدها داخل العمل الصحفي، كالاستراتيجية الديناميكية المعاصرة، واستراتيجية فقاعات الترشيح، واستراتيجية سقراط، وأسلوب Style Book.