إنّ المتمعّن في مفهوم الفقه الإسلامي يجد أنّ الدعامة الأساسية التي بنيت عليها أحكامه، هي الأدلة الشرعية، مما يؤكد على أنّ ربط الفروع الفقهية بأصـولها وأدلتهـا الشـرعية مطلـب شـرعي ومقصـد مطلـوب فـي الشـريعة الإسلامية. والمذهب المالكي أحـد أشهر المذاهب الإسلامية المعتبرة فـي الفقـه الإسلامي، غير أنّ كثيرًا من العلماء أشاعوا عنه تهمة تجريد فقهه عن الدليل، وكونه أقل المذاهب اعتماداً على منهج التدليل، سواء عند المتقدمين أو المتأخرين، مما نحا بكثير من العلماء المعاصرين- خاصة منهم المنتسبون إلى المذهب- إلى محاولة التحقٌق من هذه التهمة ومحاولة إبراز منهج التدليل وإحيائه في المذهب المالكي. وتزداد أهمية منهج التّدليل للفروع الفقهية -في عصرنا- مع ازدياد وعي أفراد المسلمين -خاصة منهم طلبة العلم الشرعي- بضرورة إسناد الفقه للدليل، فلا يُقبل حكم ولا تقبل فتوى لديهم إلا إذا اقترنت بالدليل. والهدف من ذلك هو تجديد الدعوة إلى ضرورة إحياء منهج التدليل في المذهب المالكي، سواء في التعامل مع المختصرات المجردة، بحثًا عن التدليل لها، أو حتى مع المصنفات التي ذكرت الدليل، من خلال تصحيح الاستدلال وعدم الاقتصـار على الأدلة النقلية النصية فقط، بل الاستعانة بالاستدلال العقلي؛ لأنه من أوجه التدليل للفروع. ويعد كتاب (التّحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لأحكام التنزيل) للمهدوي من أجلّ كتب التفسير ؛ حيث حوى فيه علوماً متعددة من الأحكام والنسخ والتفسير والقراءات والإعراب وغيرها، وبذلك يكون عملاً جليلاً وخيرًا واسعًا. ومن خلال هذا التفسير تناولت مسألة التدليل على الأحكام، التي أجملها المهدوي في تفسيره، لما لها من أهمية في الفقه الإسلامي عامة، والفقه المالكي خاصة.