إن الاستخدام غير اللائق للتكنولوجيا وتطبيقاتها أصبح أمراً واقعا بين الطلاب وقد انعكست  صوره في العديد من الجرائم التي لم تكن مألوفة للمجتمع من قبل مثل الانتحار بسبب ألعاب إلكترونية والابتزاز والتنمر والقرصنة والإرهاب الإلكتروني... وغيرها؛ فلم تعد الشاشة التي يقضى أمامها الطلاب معظم أوقاتهم مجرد لعبة وتنتهى، بل أصبحت عالما يعج بكافة ألوان وعوامل الاستقطاب نحو الانحراف بأشكاله المختلفة، ومع صعوبة الرقابة إن لم تكن مستحيلة من قبل الاسرة والمجتمع؛ أصبح هناك ضرورة ملحة لتوجيه هؤلاء الطلاب نحو الاستفادة المثلى من التكنولوجيا واستثمار فوائدها الجمة التي لا ينكرها أحد، وفى نفس الوقت حمايتهم من مخاطر التعامل مع مفردات العصر الرقمي الذى يعيشونه، ولن يتأتى هذا إلا من خلال تكاتف وتكامل الجهود التربوية لعناصر العملية التعليمية من أجل تكوين الملكة الخُلقية لديهم وغرس قيم الاستخدام الأخلاقي المسئول والآمن لها في نفوسهم. وبالتالى فإن هناك حاجة ماسة إلى سياسة وقائية ضد أخطار التكنولوجيا، وتحفيزية للاستفادة المثلى من إيجابياتها، ولا ينصب الحديث هنا على سياسة جديدة غير مسبوقة ينبغي أن تكتب سطورها لأول مرة؛ بل على ما يسمى في دول العالم المتقدم بمفهوم المواطنة الرقميةDigital Citizenship (رجائي حداد، 2014،17)؛ ولهذا أصبحت المواطنة الرقمية؛ ضرورة تربوية فرضت نفسها على ساحة الأنظمة التربوية ومتطلبات الحياة في القرن الحادي والعشرين، حيث تمثل نظام لحماية الأفراد عند التعامل مع التكنولوجيا وهي الضابط والمعالج الأمثل للانحرافات الفكرية والسلوكية والملوثات الثقافية، كما أنها تستهدف تشكيل الشخصية المتكاملة للمواطن الرقمي القادر على فهم القضايا السياسية، والتعليمية والاجتماعية المتعلقة بالتكنولوجيا وممارسة السلوك الأخلاقي والقانوني داخل المجتمع الافتراضي. ولما كانت المدرسة من أهم المؤسسات التربوية والتعليمية المنوط بها إعداد النشء وصياغة شخصيته؛ فقد برزت الحاجة لدراسة دور المدرسة التجارية_ كأحد مؤسسات التعليم الفني التربوية_ في إعداد طلابها للتعامل مع المتغيرات المعاصرة وإعدادهم للمستقبل، ومواكبة التطورات الحديثة وإكسابهم المهارات اللازمة التي تمكنهم من التعامل الإيجابي مع تلك المتغيرات من خلال تعزيز قيم المواطنة كالمساواة والعدالة والالتزام واحترام الآخرين، إضافة إلى دورها في تنمية قيم المسئولية والولاء، ومن هنا يأتي دورها في تعزيز المواطنة الرقمية وأبعادها المختلفة بين طلابها؛ حتى يستطيعوا التعامل مع تحديات هذا العصر، وقد سعى هذا البحث الى التعرف على واقع ممارسة المدرسة الثانوية التجارية لدورها في تعزيز المواطنة الرقمية لدى طلابها والمعوقات التي تحد من قيامها بممارسة هذا الدور، ومتطلبات مواجهتها.