تعدُّ الأندلس من أهم المعابر التي نفذت خلالها الحضارة الإسلامية إلى أوروبا؛ حيث بلغت العلوم الإسلامية أوجها في الأندلس، وأقبل الأوربيون على النهل من العلوم الإسلامية؛ يغترفون من معينها العذب في مدارس الأندلس العريقة، خاصة العلوم العقلية؛ مثل الطب، والرياضيات، والفلسفة، حتى سمي ذلك العصر بعصر (الاستعراب الأوروبي)، فما هو هذا العصر ولماذا سمي بذلك؟ وظهر بعد هذا العصر حركة علمية عظيمة في كافة أرجاء أوروبا، على إثرها نشأت مدارس خاصة للترجمة ونقل العلوم العربية إلى اللغة اللاتينية، وبرزت مدرسة طليطلة أشهرَ هذه المدارس، ثم تتابع فتح هذه المدارس التي عنيت بالترجمة، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل لحق بهذه المدارس فصول لتعليم الطب، والرياضيات، والفلك، والفلسفة، مثل مدرسة مارسيه، ومدرسة مونبوليي، وساليرنو.

والدراسات عن دور المستعربين شحيحة لأسباب سوف اتناولها في متن البحث، ولأن كلمة مستعرب لا تستعمل في المصادر والمراجع، فاختفت جهودهم بين صفحات الكتب، واشير إليهم بالاسم دون ذكر هويتهم، وسوف تتابع الباحثة دور المستعربين في الحركة العلمية في الأندلس وأوروبا، من خلال تتبع جهودهم، ودورهم في نقل العلوم الإسلامية إلى أوروبا، خلال قرون عاشوا فيها في كنف الدولة الإسلامية، ومع روح التسامح التي غلبت على ذلك العصر درس المستعربون كافة العلوم الإسلامية، وأهتموا على وجه الخصوص بالعلوم العلمية وخاصة الطب.

كما يناقش البحث العلاقة بن الاستعراب والاستشراق، تلك العلاقة التي حيرت الباحثين، فتارة يذكر أن الاستشراق ولد من رحم الاستعراب، وتارة يذكر أن الاستعراب ولد من رحم الاستشراق، ثم تعرج البحثة إلى ذكر بعض المدارس التي نشأت في أوروبا نتيجة هذه الحركة، وبجهود أوروبية إسلامية مشتركة، ونظام التدريس في هذه المدارس؛ ما أمكن إلى ذلك سبيلًا.