ازداد الاهتمام بتعليم ذوي الإعاقة في الفترة الأخيرة من القرن الماضي، وجاء ذلك من مُنطلَق ما يشهده العالم من حركة تَغيُّر وتَطوُّر سريع في كافة مجالات الحياة؛ مما حتَّم على المنظمات التربوية مواكبة هذا التغير بإيجاد ممارسات وأساليب حديثة تساعدها على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية بكفاءة عالية؛ فلقد سنَّت القوانين والتشريعات التي تكفل لذوي الإعاقة تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم، حيث أشارت إلى أن من حق الطلاب من ذوي الإعاقة تلقِّي التعليم مثلهم مثل أقرانهم في الفصل العادي، كقانون تعليم الأفراد ذوي الإعاقات (IDEA, 2004). بالإضافة إلى قانون "عدم ترك أيّ طفل دون تعليم" (NCLB, 2001)No Child Left Behind، وقانون "جميع الأطفال ينجحون"Every child successes act (ECSA, 2015)؛ ما أكَّدَ على توفير مرونة أكبر في تحديد ممارسات ونماذج تقديم الخدمات لتحسين المناخ المدرسي .(Guerra, 2015)
وهذا حتَّم على المدارس النظر في كيفية تقديم العملية التعليمية بشكل يتماشى مع هذه الاختلافات؛ مما جعل عملية التدريس من العمليات الصعبة التي تحتاج إلى ممارسات واستراتيجيات تربوية حديثة فعّالة تعمل على التخفيف من حدّة الضغوط التي تقع على عاتق معلم الفصل العادي. ومن الاستراتيجيات الحديثة والبدائل التربوية التي أثبتت فاعليتها في التعليم هي التدريس التشاركي، والتي تُعَدّ من الاستراتيجيات الأكثر انتشارًا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إنها تُلبِّي الاحتياجات التعليمية والنفسية والاجتماعية للتلاميذ من ذوي الإعاقة في فصول التعليم العام (Randolph, 2017). وهذا ما أكد عليه قانون تعليم الأفراد ذوي الإعاقاتIndividuals with Disabilities Education Act (IDEA, 2004) في تقديم أفضل البدائل التربوية للتلاميذ من ذوي الإعاقة، وذلك من خلال تضمينهم في فصول الدمج ليتلقوا مناهج التعليم العام، مع توفير الخدمات الداعمة لنجاحه، وتُعتبر استراتيجية التدريس التشاركي من أهم الاستراتيجيات التدريسية التي تتوافق مع فصول الدمج (أبا الحسين والحسين، ٢٠١٦)، وفي المقابل فهي تُعتبر من أنواع العمل التعاوني حيث يتشارك فيها أكثر من معلم عند التخطيط والإعداد لعملية التعلم، مراعِين في ذلك الفروق الفردية بين التلاميذ، فهم يتشاركون بخبراتهم لإيجاد بيئة تعليمية تساعد التلاميذ من ذوي الإعاقة على تحسين تحصيلهم الدراسي داخل فصول التعليم العام (Hentz, 2017).
وفي نفس السياق، يعتبر التعاون بين معلم التعليم العام والتربية الخاصة هو مبدأ أساسي في التدريس التشاركي حيث تكون الأهداف المشتركة ، والتكافؤ ، والمسؤوليات ، والمساءلة ، والخبرة ، والموارد (Friend and Cook, 2016). علاوةً على ذلك فهي توفر للمعلمين فرصة الوفاء بمعايير المساءلة المنصوص عليها دون المساس بالتعليم الفردي الجيد (Gurgur & Uzuner, 2011). وعطفًا على ما سبق، حظي موضوع الاستشارة والعمل الجماعي بين معلمي التربية الخاصة ومعلمي التعليم العام باهتمام متزايد خلال القرن الماضي، كجزء من الجهود المبذولة لدمج التلاميذ من ذوي الإعاقة في فصول التعليم العام. وقد يُعزى هذا الاهتمام كذلك إلى ارتفاع نسب الطلاب من ذوي الإعاقة في المدارس العادية، حيث يؤدي ذلك الارتباط فيما بينهم من خلال عملية الاستشارة والعمل الجماعي إلى تحسين المجال الأكاديمي والاجتماعي لدى التلاميذ من ذوي الإعاقة ( McLaren, Bausch, Adult, 2008).
وفي ضوء هذه المعطيات، تبرز أهمية الاستشارة والعمل الجماعي بين معلم التعليم العام والتعليم الخاص وما لها من أثر كبير في زيادة إنتاجية المؤسسة التعليمية، حيث أنها تعد من الأساليب التي تعطي الفرصة للتفاعل والمشاركة من قبل الجميع سواء أكانوا معلمين أو أخصائيين أو أولياء أمور، في اتخاذ القرارات المتعلقة بخدمة هؤلاء التلاميذ في برامج التعليم الشامل. بالإضافة إلى أهمية توفر استراتيجيات تدريسية حديثة تُلبِّي احتياجات جميع التلاميذ داخل فصول التعليم العام، والتي من شأنها أن تراعي التنوع والاختلاف في قدرات التلاميذ، بالإضافة إلى تسهيل عملية تضمين التلاميذ من ذوي الإعاقة داخل فصول التعليم العام، وتمكينهم من الوصول إلى منهج التعليم العام، وبالتالي تحقيق التقدم والنجاح في جميع المجالات. ويعتبر التدريس التشاركي من الاستراتيجيات الحديثة التي تساعد المعلمين في تقاسم العملية التعليمية، وبالتالي تلبية الاحتياجات الفريدة للتلاميذ، وهذا ما تتطلبه فصول التعليم الشامل في المملكة العربية السعودية. لذلك جاءت فكرة الدراسة الحالية متمثلةً في التعرف على واقع تطبيق معلمات التربية الخاصة للتدريس التشاركي والاستشارة والعمل الجماعي في مدارس التعليم الشامل من وجهة نظر مشرفات التربية الخاصة.