إن هويّة أية أمة هي صفاتها التي تميزها عن باقي الأمم لتعبّر عن شخصيتها الحضارية المبنية على ‏نقط ثلاث: الدين الذي به يفسر الوجود واللغة الواسطة التعبيرية الطيّعة لنقل الخطاب والتاريخ الذي ‏يحفظ الذاكرة وينعش الإحساس بالانتماء. والوطن العربي من الخليج إلى المحيط تجمعه هويّة الروح ‏واللغة والتاريخ المشترك، ولم يكن بعد الواجهتين بمبرر لإحجام المغرب عن الاهتمام بهذه الناحية. ‏بل أنه على العكس من ذلك كان يتوق إلى التوفر على معلومات أكثر عن تلك الجهات النائية التي ‏تربطه بها رابطة الروح أولاً ورابطة اللغة ثانيًا.‏ الروح، لأن الطرفين ولو أنهما متباعدان مسافة لكنهما يعتنقان دينًا واحدًا هو دين الإسلام الحنيف، ‏وفي أكثر الجهات وفي أغلب الظروف كان الطرفان يتحدان أيضًا في المذهب الإسلامي كذلك، ‏فالمذهب المالكي الذي استقر عليه الأمر في المغرب الأقصى منذ فجر الإسلام  هو المذهب الذي وجد ‏في المشرق ملاذًا يحتمي فيه من المنافسين له ممَنْ كانوا يريدون فرض مذاهب أخرى لهم بالجزيرة ‏العربية، وهكذا فكما تحصن مذهب مالك بديار المغرب منذ البداية وجد مكانًا له في شعاب الجزيرة و‏أطرافها كيف وهو المذهب الذي نشأ في أحضان مدينة الرسول (ﷺ).‏ أما الآصرة الثانية فهي اللغة الواحدة التي تعزز الانتماء بالذات والمواطنة العربية والتي يرجع لها ‏أكبر الفضل في تمتين الصلات الروحية التي تحدثنا عنها. ولعل أيضًا من أبرز مظاهر الوحدة العربية الإسلامية هو ذلك التواصل ‏الحضاري الذي ربط الخليج بالمحيط من خلال الرحلة المغربية إلى المشرق التي وصلت بين شقي ‏العروبة، فرحلات المغاربة في مختلف العصور تعطينا صورة عن مدى إسهام الفكر العربي المسلم في ‏هذا الشق الغربي من الوطن العربي في دعم مقومات المواطنة العربية التي هي من أبرز مفاخر تراثنا ‏ومظاهر وحدتنا.
 
الاستشهاد المرجعي بالمقال:
كوثر أبو العيد، "الرحلة المغربية تجسيد لروح المواطنة وصلة وصل بين المشرق والمغرب العربيين".- دورية كان التاريخية.- السنة السابعة عشرة- العدد الخامس والستون؛ سبتمبر 2024. ص 178 – 189.