كانت نوميديا، في عهد الإمبراطور "قسطانتيوس" (Constantius) وقبيل منتصف القرن الرابع الميلادي، مسرحا لأحداث عنف واضطرابات خطيرة، كما دلت على ذلك المصادر المتعلقة بالدوناتية. أثارها "الدوّارون" (Circumcelliones) الجناح العسكري للدوناتية في الأرياف النوميدية، وذلك بمهاجمة مزارع كبار الملاك والأسياد والدائنين، وعارضوا بقوة تطبيق الإجراءات التي اتخذها الامبراطور ضد الكنيسة المنشقة (الدوناتية). تهدف هذه الدراسة إلى البحث في مسألة الدوّارين وحركتهم الثورية، من خلال نصوص القديسين أوبطا الميلي وأوغسطين، ولا سيما ما تعلق بأصولها، وطبيعتها وتفسير نشاطاتها في نوميديا. إذ يبدو أن"المصارعون" (Agonistici)، كما عرفوا أنفسهم، ينحدرون من مجموعات الشهداء المتطوعون الدوناتيون الذين يقاتلون الطوائف الوثنية التي ندد بها "قسطنطين" نفسه منذ سنة 315م. كما واجه الدوّارون "الريفيون الأوراسيون" أيضًا السلطة الزمنية الرومانية وحليفتها الكنيسة الكاثوليكية. فقد ذكرت المصادر الكاثوليكية (أوبطا الميلي وأوغسطين خاصة) بأن "الدوّارين"، كانوا يشكلون في بداية القرن الرابع الميلادي رؤوس رماح الكنيسة الدوناتية وعساكرها ضد الكنيسة الكاثوليكية. وبذلك أصبح جزءًا هامًا من الجدل القائم بين الدوناتيين والكاثوليك يدور حول العنف بين الطرفين. فالكاثوليك يرون في عمل "الدوّارين" اضطهاد لكنيستهم، والدوناتيون والدوّارون يرون في تدخل السلطة الرومانية إلى جانب خصومهم اضطهادا لفريقهم. هذا ما يدفعنا لطرح العديد من التساؤلات حول هذه المواجهة: لماذا كان الدوّارون دوما توّاقون الى العدالة الاجتماعية؟ وهم الذين نصّبوا أنفسهم فرسانا محصّلون للحقوق المهضومة؟ ما علاقتهم بالكنيسة الدوناتية؟ لماذا كانوا يبحثون عن الاستشهاد الطوعي؟ كيف قاوم الدوّارون الكنيسة الكاثوليكية وحليفتها السلطة الزمنية الرومانية خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين؟
 
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
الربيع عولـمي، "حركة الدوّارين (الريفيين الأوراسيين) في نوميديا أو محاولة ثورة اجتماعية في شمال إفريقيا (320م – 411م)".- دورية كان التاريخية.- السنة السابعة عشرة- العدد الخامس والستون؛ سبتمبر 2024. ص 33 – 47.