تطرح دراستنا تتبع سيرة الفقيه والصوفي إبراهيم الرياحي كأحد الفاعلين في بيئته الثقافية والسياسية والاجتماعية خلال النصف الأول من القرن التاسع. ولقد أتاح لنا هذا التمرين البحث في تكامل المادة الأدبية الواردة في كتب التراجم والسيّر مع المادة الأرشيفية لمقاربة الموضوع من زوايا مختلفة بعيدًا عن الاحتفاء والتمجيد. فقد كشفت سيرة الرجل مسار مركّب بدأه الرياحي في مدينة تستور التي لم تكن في حجم تطلعاته وطموحاته، فنزح إلى الحاضرة أين أكمل مساره المعرفي وأتم تجربته في مسالك الصلاح والشرف، وتوجت تجربته بنيل مناصب عالية في صلب الإدارة التونسية أهلته ليكون أحد سفرائها للقيام ببعض المهام الدقيقة في الخارج. تفيدنا تجربة الرياحي ومسارته في فهم آليات بناء العلاقة بين المخزن والنخبة المثقفة وتبادل المنافع والأدوار، وأيضًا آليات الارتقاء السياسي والاجتماعي.  لقد كانت الصورة التي اجتهد في رسمها محمد السنوسي عن الرياحي شاملة لمسيرة الرجل، ومتنبهة إلى الأركان المضيئة في حياته ومنها مرحلة التدريس، وتجربته الصوفية وقيادته للزاوية التجانية، وإمامته لجامع الزيتونة، ثم باش مفتي المالكية، مع حرص الكاتب على إبراز ميل الرياحي إلى انتقاد سياسة الحكّام وأعوان الدولة، فضلاً عن انتشار صيته بين علماء المسلمين. ولقد تعمد السنوسي أيضًا إبراز شخصية الرياحي كشخصية غير عادية. ومن خلال ترجمته لإبراهيم الرياحي فقد خصص السنوسي زهاء تسعين صفحة في مؤلفه مسامرات الظريف بحسن التعريف للحديث عنه، مقدمًا بذلك صورة مشرقة عن رموز علماء الزيتونة، غاب فيها التنافس والتزاحم لخدمة المخزن ونيل الرتب، بل سادها احترام وود كبير، وتقدير المبتدئين لشيوخهم وتقديمهم للمناصب.
 
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
عادل النفاتي، "الفقهاء والمخزن بإيالة تونس خلال القرن التاسع عشر: قراءة في سيرة الشيخ إبراهيم الرياحي".- دورية كان التاريخية.- السنة السابعة عشرة- العدد الرابع والستون؛ يونيو 2024. ص 135 – 150.