إن انتماء المغرب للقارة الأفريقية التي تعتبر الفضاء الطبيعي الذي يحدد هويته جغرافيا، مكنه من ربط علاقات منذ القدم مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، التي مثلت ولازالت مجالاً مفتوحًا للتواصل الثقافي والاقتصادي بين المغرب وأقاليم السودان الغربي. فغنى علاقات المغرب بهذا الفضاء تتخذ أبعادًا متعددة يتداخل فيها التاريخي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ظلت قائمة إلى يومنا هذا. في هذا الإطار تشير المصادر التاريخية إلى أهمية المبادلات التجارية عبر الصحراء بين المغرب ودول جنوب الصحراء. إذ شكلت آلية أساسية في التبادل الثقافي وإغناء الرصيد الروحي بينهما، خصوصًا وأن العديد من الأسر الحاكمة في إفريقيا كانت لها علاقات وصلات وثيقة مع علماء وفقهاء المغرب ما مكنها من القيام بدور بالغ الأهمية في منطقة السودان الغربي. لقد استطاع المغرب بحكم السيادة الروحية التي يحظى بها لدى دول إفريقيا جنوب الصحراء الحفاظ على مدى قرون عديدة على روابط وثيقة امتدت إلى مناطق بعيدة نحو الجنوب عن حدوده الجغرافية والسياسية الحالية، وقد شكلت الزوايا والطرق الصوفية المغربية هوية متميزة بنفحات مغربية أصيلة في دول جنوب الصحراء، وهو ما يترجمه التوافد الكبير لمريدي فروع هذه الطرق الصوفية من أعماق إفريقيا إلى المغرب لإحياء المناسبات الدينية واستحضار هذا البعد الروحي للمغرب لدى بلدانهم، بل أكثر من ذلك نجد أن التصوف المغربي قد شكل الحجر الأساس في توطيد المرجعية الدينية الإسلامية في إفريقيا جنوب الصحراء من خلال التضييق على المسيحية وخلق التوازن الروحي والسياسي بالإضافة إلى الدور الذي لعبه في سبيل دعم وتكريس حوار الثقافات والحضارات والإسهام في بناء مجتمعات فاضلة تعيش في سلام ومحبة وتواصل إيجابي بدل الركون إلى قيم الصراع والعنف والكراهية.
 
الاستشهاد المرجعي بالدراسة:
طارق بوكطب، "التصوف المغربي في غرب إفريقيا: الامتداد والتأثير".- دورية كان التاريخية.- السنة السابعة عشرة- العدد الثالث والستون؛ مارس 2024. ص 84 – 95.